http://www.kitabat.com/i10537.htm

29  تشرين الثاني 5200

يوم هرولنا باتجاه موكب النائب

كتابات - شلش العراقي

 

 ِعندما قدم صدام الى الثورة في شهر شتائي من عام 1978 ، كنا اطفالا وركضنا مع الراكضين نستقبله بالهتافات الشائعة انذاك ،وصلنا قطاع عشرين حيث اختاره السيد النائب محطة للقاء اهالي المدينة الحزينة وهم  يتدافعون لاستقبال سيادته ، لاننا صغار واجسامنا هزيلة ،رمتنا الحشود  في زاوية بعيدة نراقب هذا الرجل الغريب ، الرجل الذي يخاف منه حتى اباؤنا الذين كنا نتصورهم قادرين على  قتل الاسود والوحوش والسعالي والطناطل .

اكثر شيء لفت انتباهنا نحن مجموعة الاطفال ، كان منظر حمايته بشواربهم الكثة وقاماتهم الطويلة وهم يحيطونه مثل بطل فيلم كاوبوي ، انتهى اللقاء ورجعنا نمشي مسافة بعيدة ، اخاف ان اذكرها الان من (صدّامات) الزمن الجديد ، كان حمودي اكبرنا حيث انه  في الصف الثالث ، قرر ساعتها ان يمثل دور صدام حسين ، بينما انا ومؤيد وحسين ورحومي ، واعتقد ان سمير كان معنا ايضا كنا نلعب دور الحماية ، وهكذا قطعنا المسافة نحف بحمودي وندفع عنه الحشود الوهمية التي اجتمعت لتحيته ، الهتافات ونظرات وانتشار وتراكض، تماما مثل حماية النائب الذين تركوه بعد اكثر من عشرين سنة استعراض تلفزيوني  لينام وحيدا في حفرة .

من ذلك اليوم دخل صدام حياتنا وبقوة ، حتى  احتل صحونا ونومنا  ، وانتقل من الواقع الذي حضرنا عشرين دقيقة  منه في ساحة قطاع عشرين ، الى التلفزيون الذي صار حياتنا لاكثر من عشرين سنة ، في تلك السنوات ،كان التلفزيون يعني صدام ، ويجب ان لاننسى الايام التي كان شتم التلفزيون فيها يعني شتم صدام ،جاءت حرب الثمان سنوات ، كبرنا على اناشيدها ومآسيها  اخذت حصتها وراحت ، جاءت اخرى شبعنا من مذلتها اخذت حصتها وراحت ،وحل الحصار ليحولنا من شباب حالمين  نتطلع الى الحياة ، الى بائعي بسطيات في تقاطعات الشوارع ، من متفوقين دراسيا الى سكنّية في الفورتات ، من وجوه نظرة تعشق الحياة ، الى وجوه كالحة غزاها الشيب المبكر ،انتهت احلامنا وتزوجت حبيباتنا وتحولن من مراهقات يوزعن الجمال في الطرقات ، الى سوادات ذليلة و مرتبكة في بيوت العمات ، وتهنا في دروب الحياة نصارع الزمن من اجل لقمة العيش ،لبسنا بساطيل الجيش واتخمنا من اهانات العرفاء ونواب الضباط وغيرهم .

في الشوارع نتلفت يمنة ويسرة والى الخلف ، خشية ان تظهر سيارة التحريات اوالانضباطية او الرفاق ، ومن احلام السفر الى اوربا الحلم، الى ليال طوال في سجن الحارثية ، حيث القمل المدرع بانتظارنا..من منا لم ينزل ضيفا على الحارثية ؟

اليوم كانت محكمة صدام ، محكمة السيد النائب نفسه ، مررت على بيت حمودي ،حمودي الذي كنا نحيط به كحماية وخذلناه نحن ايضا ليموت في الناصرية في الحرب الاخيرة ، ومررت على بيت سمير ، لقد هاجر مع العائلة هناك في المدن الباردة  ، هاجروا الى الابد وانقطعت اخبارهم ( الله عليج خالة ام سمير اذا صار الوضع زين ارجعوا) ، مررت على بيت رحومي ،اين رحومي؟ ! يقولون انه (خياط  في الاردن) ، والله يا اخوان رحومي اشطر طالب بالعالم ، لماذا ياالهي ؟! رحومي خياط في الاردن ؟!!!( اسمحوا لي ان امسح دمعتي ) ، كان رحومي يحل اعقد معادلة في الرياضيات، حتى قبل ان يكتبها استاذ فايق على السبورة ، رحومي خياط في الاردن ؟!!، نعم رحومي غريب ومنهك القوى وحسبة تاخذه وحسبة تجيبة ،روحومي اترك الحساب لقد فات الاوان،رحومي تعال انت تسوة ابو الاردن ، كس اخت الدنيا اي والله  ، اما مؤيد الذي نغار من عدد معجباته لوسامته واخلاقه وخجله وتواضعه  ،مؤيد  الوسيم محبوب بنات القطاع، مؤيد الذي كان يحلم بان يصبح طيارا مدنيا يعبر القارات، يوزع حاليا  الشاي في مقهى انترنت حيث  اتردد احيانا ، ويدير وجهه مني كأنه لايعرفني . . . التفت اليّ يامؤيد أني. . . . . . . المدعو شلش العراقي ، التفت لاتخجل الشغل موعيب ، مؤيد وين صارت رجاء ؟ حبيتك التي سمع اهلها بقصتكم وحجروها شهورا طويلة في المنزل .لتترك الدراسة بعد ذلك الى الابد ، لتجاوبني مؤيد  ، براحتك انساني هي بقت عليك .

اما حسين ايها الاخوة ،  فهو الان يقضي نهاراته في مطبعة صحيفة محلية ولااراه  الا في السنة مرة .حسين منكسر ومهموم ويائس ولانني احبه لا اريد ان اقول لكم انه اصبح عصابيا وعدوانيا.

لماذا ايتها السماء ؟ ، هؤلاء اصدقائي ، هؤلاء طفولتي المذبوحة في القطاع ،اريدهم ، اريدهم الان اطفالا يركضون حول حمودي  ، ويضحكون للهواء ، ويصرخون باعلى اصواتهم قرب باب بيت اوحيّد ابو الحصران، لتخرج زوجته تشتمنا صارخة (نعله على ابو الرباكم يطوكم خبز وما يطوكم تربية ) الله كم اشتاق لهذه الشتيمة الان. وحيّد رحمة لوالديك ، اتوسل اليك ،هات امراتك لشتمني الان  ،وحيد هل تسمعني ام انك تحت التراب .

اصدقائي الاعزاء حمودي و رحومي ومؤيد  حسين وسمير ، اليوم تذكرتكم  ،ومررت على بيوتكم جميعا ، هل سمعتم قلبي يبكي ويصيح احبكم  ،لماذا تركتوني في الدربونة وحيدا ؟ من يحميني من الاخطار التي جلبتها من كتاباتي  ، (نعم لقد اصبحت كاتبا ، والله كاتبا جيدا ومعروفا )

تعرفون لماذا مررت على بيوتكم ؟ مررت فقط لاقول لكم انظروا الى السيد النائب ، انظروا الى الرفيق القائد الذي خرب حياتنا ، هاهو يحاكم  على جريمة قتل مجموعة من اهلنا في الدجيل ، واريد كذلك ان اقول لكم  ان  سيادة القاضي طيب القلب ،نسي  ان هذا المتهم الماثل امامه ، قتل مستقبلنا جمعيا ، وقضى على ضحكاتنا وحول بلدنا من جنة يحسدنا عليها الناس الى مزبلة تعيث بها القطط السوداء.وتنعق في سمائها الغربان !!.

 

Shalash70@hotmail.com