http://www.kitabat.com/i9962.htm

حكاية زواج حرية بنت سيد جواد

كتابات - شلش العراقي

تعبت حريّة  بت سيد جواد من السير خلف  قطيع الماعز الذي ترعاه كل يوم  من الصباح الباكر حتى المساء ، والذي قادها  هذا اليوم الى قطع كل هذه المسافة الطويلة نسبيا ( من نهاية الثورة _ داخل الى أطراف منطقة ألعبيدي ).وعلى صفيحة مرمية في ساحة القمامة استراحت متكئة على جدار ، تاركة حيواناتها تفتش عن قوتها ،وبعد دقائق غطت في إغفاءة عميقة .

 

شيخ وقور بملابس بيض ، مدور الوجه  بهي الطلعة مهيب الحضور، يقف عند راسها وهو يمتطي ظهر فرس شقراء لم تر حريّة مثلها من قبل ,., فتحت عينيها بشدة وجال بصرها على أطراف الفرس و رقبتها ووجهها واستقرت عيناها على الوجه النوراني للفارس ذو اللحية البيضاء المشعة..

* حريّة الله يساعدج .

* هلة ومية هلة عمي.. أتفضل.. أمر.. خدمة

* شني حريّة ما عرفتيني ؟

* لا والله  حجي ماعرفتك بس يمكن شايفتك .

* آني جدك سيد علي..

* يمة جدي !!  سيد علي (أرادت أن تنهض أومأ لها السيد بالجلوس) جدي آني  ما شايفتك بس سمعانة بيك هواي ، وأمي  شكد تحلم بيك كل مرة تكول شفت سيد علي بالحلم راكب حصان ابيض .

* حريّة آني يومية اشوفج، ويومية آني وهاي الفرس المباركة نحرسج من كل مكروه . بس اليوم شفتج جوعانة و نايمة وانقهرت عليج ، كَلبي يتفطّر عليج، ليش أنت من دون البنات محرومة (مسح دمعتين شفافتين على خده)

* جدي فدوه اروحلك .. شسوي ذني( الصخلات ) محد إلهن ..

* حريّة كافي . أنت يتيمة و هواي انظلمتي وصاحباتج كلهن عرسن وارتاحن وصار عدهن جهال وأنت ملتهية بالصخول .شوكت ترتاحين ؟

* شسوي جدي (نزلت دموعها بحرقة)

* يالله كَومي ..اخذي( صخلاتج ) وردي للبيت .. كافي تحملتي هواي .روحي ارتاحي ابنيتي

* جدي والعيشة ؟ أنت تدري الظروف شلون صارت (بكت بدموع ساخنة)

* معليج ، هاج هاي صرة ذهب أخذيها وردي للبيت ، أطيهم الذهب وكليلهم جدي سيد علي  بعد ما يقبل أرعى بالصخول وهذا الذهب أخذوه  ابدال (الصخلات)

* ابدال الصخلات ؟!!!

* أي بنيتي هذا آخر يوم تشوفين بي (الصخلات) ,, بوسيلي أمج وابوج واخوتج واني اتركج بعناية الله ورعايته ، أبنيتي.صل على النبي محمد وال بيت محمد

اللهم صلي على محمد وال بيت محمد، استيقظت حريّة المسكينة ابنة العشرين ربيعا من اغفائتها لتجد في حضنها صرة مليئة بالقطع الذهبية من مختلف الأشكال الجميلة ، تذكرت على الفور ذهب جدتها الذي طالما تباهت أمها بذكراه ، حيث كان قد سرق في شتاء قديم من شتاءات المدينة ..نفس أوصاف القطع الذهبية التي سمعتها من أمها كانت  تلمع بين يديها ، والتي انشغلت في تقليبها ونسيت جدها يتوارى بين الغيوم..

عادت حريّة تحث الخطى مسرعة باتجاه البيت تهش قطيعها الصغير المتناثر.تمشي وتتحسس صرة الذهب التي أخفتها بين جسدها وإزارها لتتأكد من أن الأمر كان حقيقة..

 قريبا من منطقة الاورفلي ، طارت إحدى( صخلاتها) وتلاشت تدريجيا بين الغيوم ..تبعتها (صخلة) ثانية وثالثة ورابعة وهكذا تبخر القطيع أمام عينيها ودون أن يثير الأمر أحدا من الناس ،الذين صادف وجودهم قريبا منها، جرى ذلك وكأن شيئا لم يكن .

دخلت حريّة البيت وهي تلهث مذعورة وفرحة وخائفة ومنتشية، ومشاعر أخرى غامضة تسيطر على روحها.

جلست وسط الحوش وفتحت الصرة أمام عيني أمها التي أفزعها منظر ذهب الجدة الميتة قبل ثلاثين عام ..

تلعثمت الأم واصفر وجهها وسيطر الوجوم على ملامحها التي صارت تبرق فيها ابتسامة غامضة بين حين وآخر..

حريّة أرخت من جسدها المتهالك واتكأت على عمود خشبي يتوسط باحة البيت أغمضت عينيها وراحت تكلم جدها سيد علي ....

ألف رحمة على روحك جدي ..خلصتني من العذاب ، الله يخلصك من نار جهنم، جدي أروح فدوه لتراب رجليك ..مد الفارس الذي يمتطي الحصان الأبيض يده الى حريّة رافعا إياها الى ظهر جواده  وانطلق بها بخفة نحو الآفاق البعيدة ، وهذا الفارس لم يكن هذه المرة جدها سيد علي كما اعتقدت حريّة ، لقد كان شابا وسيما امتلأت  الغيوم من عطره الملائكي ، التفت الى حريّة بوجهه الطفولي  وقال لها مع ابتسامة اخذت عقلها:

* حريّة بنت سيد جواد بن سيد علي ،هل تقبلينني زوجا لك على سنة الله ورسوله وولاية أمير المؤمنين عليه السلام

 شهقت حريّة شهقة كاد من حدتها أن يرتطم الفارس بالنجوم..

طاف بها الفارس على جواده بين الغيوم ، نزل بها قريبا من الارض ، القت نظرة سريعة على مدينة المسحوقين والبؤساء ، امطرت عليها دموعا باردة ورمت بعبائتها السوداء على بيت اهلها ثم انطلقت بهما الفرس ثانية نحو الغيوم ..

تزوجت حريّة في السماوات البعيدة، قريبا من قطعيها الذي سبقها الى هناك،  أطلقت الصخلات الاغاني السعيدة ورقصات الفرح بقدوم حرية وعريسها ، فيما كانت أمها لم  تزل تقلب ذهب الجدة المسروق .

shalash70@hotmail.com