http://www.kitabat.com/i10572.htm

30  تشرين الثاني 2005

بحيرة النور- قصة طويلة

كتابات - شلش العراقي

 

لليوم الرابع على التوالي وبيت فضيلة لم يزل مضاءً،  انقطعت الكهرباء في المدينة وجاءت الكهرباء،والبيت مضاء من الداخل والخارج ،ولست مبالغا اذا قلت لكم انها اضاءة لم نشهد من مثلها سابقا ، المعروف عن بيت فضيلة ، أنهم عائلة فقيرة ، تتكون من الام المكافحة وايتامها الاربعة ،الذين تركوا المدرسة ، وظلوا ينافسون الفقر نفسه ،عريا وجوعا ومسكنة ويتماً بعد ان فقدوا اباهم في حادثة صعقة كهربائية.

* منين جابوا كل هاي الكهرباء ؟

تساءلت نويرة مرة غراب ، كما تساءل الجميع ، ولكن نويرة ليست مثل باقي خلق الله ، فهي تريد ان تعرف كل شيء و على الفور ، حملت نفسها ومشت الى بيت فضيلة دخلت الباب المفتوح دائما (اهل الثورة ابوابهم مفتوحة دائما بوجه الضيوف والجيران وابناء السبيل) توجهت نويرة الى (الميزانية ) التي تشمل العداد ونقاط الربط ، واجرت فحصا سريعا لتتاكد من ان الامور عادية وليس هناك أي ربط استثنائي ، وعندما تأكدت ان ( ميزانية  )بيت فضيلة ،هي تماما كما ميزانيات الناس ، ذهلت واندفعت داخل البيت الصغير، تفتش فيه عن السر، لكن الفشل كان من نصيبها.

والغريب ان فضيلة وصغارها يتصرفون امام فضول نويرة كما لو ان الامر بمنتهى الطبيعية ، بل كانوا يستغربون من دوران نويرة في البيت ودهشتها وهي تقلب الاشياء بحثا عن سر مجهول بالنسبة اليهم ، خرجت نويرة تحث الخطى مسرعة باتجاه (ابو المولدة) لتسال عن عدد الامبيرات التي اشترتها فضيلة هذا الشهر ، استغرب الرجل لان هذه العائلة هي اخر من يمكنه الاشتراك ، وخاصة ان سعر الامبير الواحد وصل ثمانية الاف دينار .

قّلبت نويرة الامر على كل الجهات ، وخلصت الى نتيجة لاتقبل النقاش :

* فضيلة مرتبطة بالمنطقة الخضراء كهربائيا ،

ولان الثورة بعيدة عن المنطقة الخضراء راحت تنبش تحت الارض عن( كيبل )يصل المكانين سرا . لكن محاولتها ذهبت ادراج الرياح.عادت الى بيتها ونصبت مرصدا على السطح  لمراقبة الامر بدقة، سهرت تلك الليلة بطولها يغالبها النعاس ويجتاح عظامها البرد ،دون ان تلحظ ما يثير الانتباه .وقبل ان تقرر النزول وترك هذه المهمة الشاقة ، شاهدت خفوت الضوء تدريجيا في بيت فضيلة حتى حلول الظلام الكلي واختفاء البيت في الظلام .

فركت عينيها وركزت انتباهها جيدا ، نعم البيت مظلم تماما, فجأة نزلت من السماء كتلة هائلة من الضوء ،وراحت تصغر كلما اقتربت من بيت فضيلة، ثم تحولت الى نقطة ضوء صغيرة و شديدة التوهج ، وما ان لامست سطح البيت حتى اضيء من جديد .

في الليلة التالية كانت المدينة كلها تسهر فوق السطوح لتتأكد من الخبر الذي تفننت نويرة في اشاعته بسرعة البرق.

في نفس موعد الساعة التي شهدت فيها نويرة الحدث ، انطفأ المنزل واضيء ثانية لكن دون ان يشاهد احد كتلة الضوء التي وصفتها نويرة . نزلوا من السطوح واحتشدوا امام بيت فضيلة وايتامها الذين ينامون في دفء نور المصابيح المنتشرة في ارجاء البيت ،وفوق اجسادهم النحيلة اغطية من موسيقى حالمة .

حمل احدهم سلكا طويلا وربطه بين بيته وبيت فضيلة ، توهج بيته على الفور، قام اخر بالفعل نفسه وتبعهما ثالث ورابع ثم تبعهم الجميع ، انيرت الثورة بكاملها واصبح منظرها من السماء مثل سفينة عملاقة تسبح في ليل العراق الحالك والطويل.

في شوارع الثورة وطرقاتها  وساحاتها  ومبانيها ،  انتشرت نشرات ضوء ملونة تعزف لحن النور الخالد ،في بحيرة الضوء الشاسعة هذه ،رمى اطفال  المدينة اجسادهم النحيلة لتسبح بسعادة واشتهاء وعذوبة . في تلك الاثناء كانت فضيلة وايتامها ينامون ببطون خاوية في العتمة والبرد القارس يلتحفون جلودهم اليابسة و يحلمون بعودة الاب الذي فقد حياته في  تماس كهربائي .

 

Shalash70@hotmail.com