http://www.kitabat.com/i9098.htm

 16   تشرين الأول   2005

كابوس الرفيق جابر الابدي

كتابات - شلش العراقي

بدأت حكاية جابر ومهدي في عام 1982 ،عندما اصرّ الرفيق جابر  المسئول البعثي في احـــــــــــد قطاعات مدينة الثورة على انتزاع مهــدي من بين امه واختيه اليتيمتين،  والحاقه في قاطع الجيش الشعبي للمساهمة في الحرب ضد العدو (الايراني المجوسي)،

 حاول مهدي التملص طويلا عبر تغيير مواعيد خروجه من البيت ، وكذلك تغيير مسارات طريقــــه الى العمل في "مخبز صمون الجوادين " ، القريب من منطقه سكناه ،  ولكنه وقع  اخيـــراً في الفخ ، ففي ساعــة مبكرة من الصباح وعندما كان مهدي في طريقه الى المخبز استطاع جابر ان يصطاده ويحشره في سيارة القاطع ،

لم تنفع توسلات مهدي ودموعه في تليين قلب الرفيق جابر ورفاقه ، وعندما يأس من ذلك ، اكتفى فقط بأن يعطى فرصة لابلاغ امه المريضة ،  التي ليس لها من معيل سواه ، لكن الحـــــــــــــــزب علّّم جابر ان يصغي للمباديء فقط .

انطلقت السيّارة ووجد مهدي نفسه بعد ساعات في معسكر تدريب بعيدا عن قلب امه الملهوف ، والتي انتظرته بدورها في باب البيت حتى ساعة متأخرة ، لتتأكد  بعد ذلك من انه وقع في قبضة الرفيق جابر.((هذا الخفت منه طحت بيه)) قالت لنفسها وبكت بحرقة .

في صباح اليوم التالي ، نادت على فاطمة ابنتها الكبيرة لتدلها على بيت الرفيق  ، والذي يسمى (بيت المسئول).

 بيدٍ ذليلة طرقت الباب وخرج المسئول (جابر) وبلباقة شرح لها ان الوطن يحتاج الرجال ، وانه وانطلاقا من احترامه لجيرة العمر ، سوف يوصي بمهدي  خيرا،( وهي  كم شهر وتخلص..)

وعندما شرحت له ام مهدي وسط نشيجها ظروفهم المعاشية الصعبة (كفيلك العباس ما عنده لكَمة خبز)، اجاب الرفيق جابر (ان البلد يمر بمرحلة تاريخية  عصيبة وعلينا ان نضحي بالغالي والنـــــــفيس لعيون العراق وابو عــــــــــداي .... الزلم المن تراد)

وفي اول هجوم وجد نفسه فيه ، وقع مهدي في الاسر ، حيث معركة (الشوش )الشهيرة,وفي معسكر على الحدود ( الايرانية السوفيتية)، عاش سنوات شبابه اسيرا تحت ابشع انواع  العذاب الانساني (( كنا نأكل القليل من الارز والقليل من الخبز ولا نأكل اللحم ابدا ولم تكن لدينا احذية وكان الطقس جليديا في الشتاء. وكانت سماكة الثلج تبلغ مترا وكنا نحاول شق طريقنا وسط الثلوج بواسطة صحوننا ولم نكن نسمع اية اخبار عن العالم الخارجي وفوق هذا كان ....!!!)) حسب ماكان يروي مهدي بعد عودته من الاسر.

في عام 1987 حدث مالم يكن في الحسبان  حتى ولا في الكوابيس ، حيث وخلال زيارة احـــد اعضاء المجلس الاعلى للثورة الاسلامية  لمعسكرات الاسر لالقاء محاضرة دينية ، وهو رجل مععم اسمه السيد فاضل ، ويعد من المقربين الى عائلة الحكيم ، التي تملك المجلس .كان برفقة رجل الدين هذا اربعة مرافقين وكان الرفيق جابر في مقدمتهم ,نعم (الرفيق جابر) الذي وقع في الاسر ايضاً في عام 1985 واعلن توبته ، وصار من التوابين الذين شكلوا فيلق بــــــــــــــــدر..

اصيب مهدي بالدّوار وهو يرى ان السماء سلطت عليه( جابر) في الوطن وهاهي ترسله اليه في هذا المكان المنسي من العالم ..ماهذا الذي يحدث ياالهي !! قال مهدي وعينه تتجه الى السماء ،

اقترب الرفيق جابر من مهدي بعد ان تعرف عليه وقال له :

• ان الله ارسلني رحمة اليك ..اه يامهدي .. كم تغيرت وعلا الشيب راسك ماهذا الشبح الذي اراه ؟ هل حقا انت مهدي جار العمر؟ ولكن لاتيأس ان الله لن ينساك ، تعال سأسجل اسمك مع التوّابين لتكون واحدا من ابناء فيلق بدر الابطال،وتحت راية الامام الخميني دام الله ظله الوارف ، سنحرر العراق من الطاغية الكافر صدّام لعنه الله

حدق مهدي في لحية جابر الطويلة ، وهيأته الجديدة ، واستعاد في رأسه شكل هذا الذئب يوم كان يتحدث باسم المباديْ  وقادسية صدّام ، تحت راية  بطل التحرير القومي الرفيق المناضل صدّام حسين (حفظه الله ورعاه)

استجمع قواه وقال :

• اسمع يارفيق جابر .. مو انت الجبتني لهنا، مو انت  الهجمت بيتي ..بعد شتريد لاحكني ؟مو كافي حرمت امي من شوفتي وخليت خواتي وحدهن؟ ..ميخالف روح اني مسامحك على كل هذا ...بس اذا تريد تسويني خائن  تره لا اني ولا الله راح نسامحك ..هاي تاليها تريد تشغلني عميل .لك انت من يا ملة ؟!  هناك مسئول وهنا مسئول متكَلي انت شنو؟

ابتسم جابر ورد بهدؤ على فريسته المسكين ،

• اسمع يا مهدي انت ميفيد وياك وانت الظاهر  صدكت نفسك.. وبعدين لازم تعرف اني شخصية قيـــــــــــــادية ، اذا هنا واذا هناك واذا بالمريخ ، الله خالقني قيادي شسوي موبيدي ,,راح اطيك اسبوع تفكر وراها راح تعرف شسوي بيك  ،يابعثي ياكافر ياقذر..  مهدي مسك اعصابه واجّل تفلة كانت تلح عليه بالانفلات ,ادار وجهه عن هذا العميل الوضيع وانصرف الى القفص والدموع تمطر من عينيه .

بعد اسبوع صار الرفيق جابر يقيم حفلات تعذيب يوميّة لمهدي الصدّامي كما يسميه , حفلات تعذيب لم يستطع مهدي ان يرويها بالتفصيل ، لانه ما أن يتذكرها حتى تغرورق عيناه بالدموع الغزيرة  ويشحب وجهه وترتفع درجة حرارته ، ومن ثم يتصبب عرقا ويشيح بوجهه عن الاخرين,,

مرت الايام وانتهت الحرب وعاد مهدي ليجد أمه قد انتقلت الى السماء  بعد ان فقدت بصرها حزنا على فراقه ، وان اختيه النحيلتين تعيشان على صدقات الجيران ومعونات الاقارب .. توكل على الله وبدأ حياته من جديد في سنوات الحصار البشعة بالعمل في مخبز للصمون....دارت الايام وسقط نظام  صدام واضطربت الاحوال ....

اليوم وفي مركز الاستفتاء على الدستور  ،حيث قرر مهدي بالتصويت بنعم .  ببنيته الشائخة قبل الاوان وبظهر مقوّس وبخطى مرتبكة دخل المركز متوجها الى موظفي السجل ، فجأة وقعت عيناه على عينــــــي جابر الذي يراقب مع مجموعة من  اصحاب الخواتم واللحى البدريين مركز الاستفتاء..صعق وارتبكت روحه وكاد ان يسقط على الارض عندما ناداه جابر بصوت عال ..

• مهـــــــــــدي .لك انت مو مهدي هاي  شجابك

بنعم  شبه ميتة اجاب مهدي  وكاد من حشرجتها لايسمعها هو شخصيا ,,

• شراح تصوت يا بعثي؟ ساله جابر

• نعم .. ساصوت بنعم واذا تحب اكتبها انت بيديك..

اّه يا مهدي البعثي .. لماذا رفضت التوبة وتعفنت في الاقفاص ،لماذا لم تصدقني عندما اخبرتك بانني قائد بالفطرة  وانت  حشرة مجرد حشرة لاتعرف رأسها من رجليها؟؟ حدق مهدي في وجه جلاده الابدي  :

• انت خائن  .. انت خائن بالفطرة ايها الرفيق.. قال  مهدي هذه الجملة واختفى ....!!

 

Shalash70@hotmail.com