بسم الله الرحمن الرحيم

قرارات مجلس الأمن حول العراق – نظرة قانونية سريعة

                       

مقدمة

كتب إلي أحد الإخوة المحامين من العراق يسأل عن قرار مجلس الأمن 1546 وأثره القانوني على العراق. ولما كان القرار المذكور ليس سوى حلقة في سلسلة قرارات ولما كان الرد على سؤال الأخ السائل يقتضي التوسع فقد وجدت أن المنفعة أعم لو كان الرد أوسع من حدود السؤال وتجاوز الجواب على سؤال السائل إلى مخاطبة المجموع. أقول وبالله التوفيق.

إن محاولة الرد على هذا السؤال تقود بلا أدنى شك للبحث في خلفية ما قاد إليه من عام 1990 وحتى اليوم ويتطلب كذلك بحثا في خلفية سلطة مجلس الأمن ومفهوم القانون الدولي. وهذا ولا شك ليس موضوع مقال أو رد بل هو موضوع يحتاج لأكثر من كتاب. إلا أن عجالة في المرور على بعض هذه الأمور لا بد منها إذا كان المتوقع إعطاء القارئ صورة متوازنة في الرد.

ما هو القانون الدولي

تعودت الناس أن تفهم القانون على أنه مجموعة التشريعات التي تضعها الدولة لتنظيم علاقة المواطن بها وعلاقة الواحد بالآخر. لكن القانون الدولي ليس كذلك لأسباب عدة ليس أقلها أنه لا توجد سلطة تشريعية دولية يتفق عليها للقيام بهذه المهمة ، إضافة للإختلاف في القيم والتقاليد بين الشعوب. وحيث أنه لا بد من وضع قواعد معينة وضوابط للعلاقات بين الدول فقد اتفق على تنظيم ذلك من خلال اتفاقات ومعاهدات ومواثيق تدخل فيها الدول طواعية.

ورغم أن هذا هو المصدر الأساس للقانون الدولي إلا أن الغرب (وأعني به الغرب بمفهومه الأوسع والذي قد يشار له بالعالم الذي يدعي انه ورث الفكر اليهودي المسيحي كما يشير لنفسه ) ، هذا الغرب الذي تحكم وما زال يتحكم بالعالم منذ سقوط غرناطة واستعماره للعالم الجديد عبر المحيط الأطلسي ،  إتفق على أن تشمل مصادر القانون الدولي أكثر من ذلك فعرفت محكمة العدل الدولية في المادة (38) من دستورها مصادر القانون الدولي كما يلي

"- وظيفة المحكمة أن تفصل في المنازعات التي ترفع إليها وفقاً لأحكام القانون الدولي، وهي تطبق في هذا الشأن:

( أ )الاتفاقات الدولية العامة والخاصة التي تضع قواعد معترفاً بها صراحة من جانب الدول المتنازعة.
(ب)العادات الدولية المرعية المعتبرة بمثابة قانون دل عليه تواتر الاستعمال.
(ج) مبادئ القانون العامة التي أقرتها الأمم المتمدنة.
(د ) أحكام المحاكم ومذاهب كبار المؤلفين في القانون العام في مختلف الأمم ويعتبر هذا أو ذاك مصدراً احتياطياُ لقواعد القانون وذلك مع مراعاة أحكام المادة 59."

 

ويبدو واضحا من التعريف أعلاه أن واضعي دستور المحكمة أرادوا أن يوسعوا قاعدة مصادر القانون الدولي من دائرة الإتفاق بين الشعوب إلى العادات الدولية المتبعة وكتابات المؤلفين والذي سيكونون من بينهم ولا شك. ورغم أنه لا يوجد اتفاق دولي على هذا التعريف إلا انه أصبح مقبولا في الغرب ومطبقا على دول العالم طوعا أو كرها. ولنا حديث مستقل في هذا الباب. إلا أن الأمر الذي لا يختلف عليه اثنان هو أن المصادر تلك تأخذ هذا التسلسل في الأهمية مما يجعل الإتفاقات الدولية المصدر الأول والأساس ، وذلك بحكم القاعدة الفقهية التي تقضي بأن القانون الدولي يكتسب مشروعيته نتيجة الإتفاق وليس القسر.

 

ولما كان العرب من المستضعفين في العالم خلال القرنين الماضيين على أقل تقدير فقد أصبح من الطبيعي أن يكونوا في صلب القانون الدولي إما لتظلمهم أو لرغبة المستعمر المستبد أن يبرر لهم سيادته بحكم قانونه الدولي. ونتج عن هذا الوضع أن أصبح موضوع القانون الدولي على كل لسان. لكن الجهل العام الذي عمقه الإعلام الأمي والأكثر جهالة قاد إلى تخبط واستنتاجات غذت المشروع الصهيوني للإستحواذ على المنطقة وإخضاع الأمة له.

 

ما سلطة مجلس الأمن؟

تشكلت منظمة الأمم المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية وحسب ما جاء في ديباجة الميثاق:

"نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا

http://www.icj-cij.org/images/bullet.gifأن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف،

http://www.icj-cij.org/images/bullet.gifوأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية،

http://www.icj-cij.org/images/bullet.gifوأن نبيّن الأحوال التي يمكن في ظلها تحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي،

http://www.icj-cij.org/images/bullet.gifوأن ندفع بالرقي الاجتماعي قدماً، وأن نرفع مستوى الحياة في جو من الحرية أفسح. "

 

ويبدو بينا من الميثاق أن الأمم المتحدة أنشئت لكي تمنع الحرب وتطبق المواثيق الدولية وتنظم العلاقات بين الدول. أي أنها لم تنشأ من أجل أن تشن الحروب وتخرق الإتفاقيات الدولية وتتدخل بالشؤون القانونية والسياسية والإجتماعية داخل الدول الأعضاء، كما يحلو للغرب بمعونة بعض المغرضين والجهلة من العرب أن يصوروا للناس.

وقد شكلت منظمة الأمم المتحدة مجلس الأمن بهيمنة الدول المنتصرة في الحرب ليقوم بالمهمة. ويجب هنا أن نؤكد على أمر في غاية الأهمية ألا وهو أن مجلس الأمن ليس مصدرا من مصادر القانون الدولي وإنما هو أداة تطبيق القانون ، أي بمعنى آخر ليس لمجلس الأمن سوى أن يفسر تطبيق القانون الدولي وأن يعنى بمنع الحروب وتعريض أمن العالم للخطر ضمن حدود الإتفاقيات والمواثيق القائمة. ورغم أن لي اعتراضا مبدئيا على هذا الأمر حيث أنه أوكل إلى مجلس من غير القانونيين تأويل القانون وهو ما لا يمكن وقوعه داخل أية دولة ، إلا أن هذا يبدو هو ما اتفقت عليه دول العالم حين أجازت لمجموعة من السياسيين تفسير القانون واتخاذ قرارات لها سلطة قانون مطلق إذ انه لا توجد سلطة استئناف من قرارات مجلس الأمن.

 

لكن مجلس الأمن ، شأنه في ذلك شأن أية هيئة أو محكمة تشكل بقانون ، لا يمكن له أن يعمل خارج القانون الذي أنشأه. أي أن مجلس الأمن يجب أن يخضع لميثاق الأمم المتحدة ولا يعمل خارجه. إن هذه الحقيقة تعني أن أي قرار يصدره مجلس الأمن يتجاوز بموجبه ميثاق الأمم المتحدة هو قرار باطل لا يجوز الإلتزام به بل يجب نقضه قولا وعملا. وقد تجاوز مجلس الأمن الميثاق في أكثر من مرة ، وقد أصبح هذا التجاوز حالة شبه دائمة منذ انفردت الولايات المتحدة الأمريكية بالعالم وحدها وبدأت فرض دولتها المستبدة عليه. ولكي لا أطيل على القارئ ورغبة في ربط هذا بما حدث في العراق فإني أورد ثلاثة أمثلة على تجاوز مجلس الأمن للقانون الدولي في العهد القريب ، وهي جميعها كما لا يخفى على القارئ تخص العالم الإسلامي!

 

1.    حصار العراق كان جريمة إبادة

لقد كان فرض الحصار التام على العراق لمدة تجاوزت الأثني عشر عاما عملية إبادة ومن أراد التيقن من ذلك ما عليه إلا أن يراجع تعريف الإبادة التي حرمتها اتفاقية منع الإبادة لعام 1948 ليكتشف أن الحصار هو بالضبط ما قررت الإتفاقية المذكورة منعه. وليس لمجلس الأمن أن يفرض الإبادة على أي شعب حيث أن فقهاء القانون في العالم أجمعوا على أن الإبادة هي من القواعد القسرية للقانون الدولي والتي لا يمكن تجاوزها حتى بالإتفاق بين الدول. يبدو واضحا من هذا أن مجلس الأمن خرق القانون الدولي في فرض الحصار على العراق.

 

2.    قرارات مجلس الأمن حول نووي إيران

لقد كانت إيران وما زالت مشاركة في اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية ، والتي تخضع بموجبها الدول المتعاقدة لإشراف المنظمة الدولية وتفتيشها. لقد وضعت الإتفاقية لتقوم بشكل أساس بما يلي:

- العمل على نزع السلاح النووي للدول التي امتلكته قبل تنفيذ الإتفاقية.

- العمل على منع امتلاك دول أخرى للسلاح النووي.

- تمكين دول العالم ودعمها من أجل الإستخدام السلمي للطاقة النووية.

وقد التزمت إيران بذلك وفق اعتراف المنظمة الدولية ، إلا أن مجلس الأمن بإرادة أمريكية قرر منع إيران من التمتع بالحق الممنوح لها بموجب الإتفاقية التي دخلتها طوعا بحجة أنها تشك في نوايا إيران. وحيث أن القانون أصلا لا علاقة له بالنوايا المجردة عن الفعل ، فقد أصبح واضحا أن مجلس الأمن تجاوز القانون الدولي في تدخله لنقض بنود اتفاقية دولية دخلت فيها دول العالم والتزمت بها. ولم يكتف مجلس الأمن بأن اتخذ قرارا مناقضا للقانون الدولي لكنه جعل من نفسه سخرية حين سمح للدول التي لم توقع على الإتفاقية ، مثل إسرائيل والهند وباكستان ، أن تمضي وتنتج السلاح النووي. فأعلن مجلس الأمن بذلك للعالم أن من الأفضل عدم الإشتراك في الإتفاقيات الدولية لأن البقاء خارجها يمنع من العقاب ، بينما يعرض الدخول فيها والالتزام  بها للعقاب!

 

3.    محكمة الحريري

لست أرغب الدخول في بحث سياسة الدولة المسخ التي تسمى لبنان والتي تدعي "الديموقراطية" رغم أنها تقوم على أسس محاصصة طائفية دينية كتبها الفرنسيون قبل ستين عاما واعتمدت وما زالت تعتمد في تمثيلها النيابي على تلك المحاصصة المبنية على الخريطة السكانية التي قدرت قبل سبعين عاما. إلا أني لا بد أن أعرج من ناحية قانونية على نموذج آخر من خرق مجلس الأمن للقانون الدولي في تشكيل محكمة لمحاكمة المتهمين في مقتل الحريري ، رئيس وزرائها السابق. وحتى يكون الأمر واضحا يجب تثبيت ما يلي:

 

1. إن مجلس الأمن معني فقط بالنزاع بين الدول أي أنه لا يعنى بالنزاعات الداخلية ذلك لأن تلك تخص سيادات الدول. ومهما كان الإعتراض الأخلاقي للبعض على هذه الحقيقة إلا أنها تبقى قائمة وملزمة حتى تتفق دول العالم على تعديل ميثاق الأمم المتحدة بما يتيح للأمم المتحدة التدخل في شئون الدول.

 

2. إن القانون الجنائي يجب أن يكون إما وطنيا أو دوليا وفي كلا الحالتين هو ليس من اختصاص مجلس الأمن. ذلك لأنه من الواضح أن مجلس الأمن لا يعقل أن يتدخل في القوانين الجنائية الوطنية. أما ما يخص القانون الجنائي الدولي فقد حسمت محكمة الجنايات الدولية التي ولدت في تموز 2002 هذا الأمر حين أقرت وأصبح لها كيان دولي معترف به (بإستثناء الولايات المتحدة التي ترفض المشاركة فيها والإعتراف بها بل تصر على معاقبة من يتعاون معها). وهذا يعني أن الجريمة التي لا تخضع لقانون جنائي وطني سوف تكون من اختصاص محكمة الجنايات الدولية.

فلو افترضنا من أجل الجدل فقط أن لبنان غير قادر على محاكمة قتلة الحريري ، مفترضين أنه يعرفهم حقا لا أن يعتمد على ادعاء من يدعي أنه يعرفهم ، فإن المكان الوحيد لمثول المتهمين يجب أن يكون أمام محكمة الجنايات الدولية والتي تمتلك القانون الذي اتفقت عليه دول العالم والجهاز القانوني والإدعاء.

فلماذا تدخل مجلس الأمن وتجاوز القانون الدولي ووضع القضية داخل الباب السابع من الميثاق مما يفتح أبواب حرب جديدة في المنطقة إذا لم يكن المجلس ساعيا لخرق الميثاق في التجاوز عليه وتعريض الأمن والسلم العالمي للخطر؟ أليس واضحا حتى لأعمى البصر والبصيرة أن قرار مجلس الأمن جاء ليمكن الولايات المتحدة أن تقرر ما يحدث في المحكمة من تعيين رجالها والتحكم بإجراءاتها كما حدث في المحكمة الخاصة التي شكلت في العراق ، وهو التدخل والسيطرة التي لن تكون بيد الولايات المتحدة لو عرضت القضية على محكمة الجنايات الدولية والتي لا تعترف بها الولايات المتحدة أصلا؟

 

عودة للعراق

بعد هذا الإستعراض السريع الذي اعتقده لازما لكي يفهم الداني والقاصي أن مجلس الأمن ليس مسرحا للقانون الدولي وإنما هو أداة بيد القوة الصهيونية المستبدة اليوم بأمر العالم والتي وصل بها حد الإستخفاف بعقول الناس أن تدعي أن الخطر الإيراني الذي يهدد أمريكا سوف يمر من فوق بولنده! أعود للعراق وهي موضوع الإستفسار.

قلت أول المقال إن الحديث عن قرارات مجلس الأمن يرتبط بما حدث للعراق منذ عام 1990 ، لكني سأفترض اعتباطا أن قرارات اليوم تتعلق بالغزو والاحتلال وليس بحصار الإبادة الذي تجاوز العقد. ونقطة البدء في قرارات مجلس الأمن التي تلت الغزو هي القرار رقم 1483 والصادر في 22 مايس 2003. ولكي نعرف قيمة القرار المذكور والذي شكل قاعدة كل القرارات اللاحقة حول العراق ، يجب أولا أن نعرف شيئا عن سلطة مجلس الأمن للتدخل كما جاء بها الميثاق.

إن الدول التي تعاقدت على ميثاق الأمم المتحدة ، والتي كان العراق احد مؤسسيها حين وقع المرحوم الدكتور فاضل الجمالي على الميثاق ، قد اتفقت في المادة 2 من الميثاق على المبادئ الأساس للمنظمة والتي نصت في أهم بنودها على:

"يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد "الأمم المتحدة"..

فيكون مجرد التهديد باستعمال القوة مرفوضا وفق الميثاق. وقد أكدت محكمة العدل الدولية أكثر من مرة منذ صدور الميثاق أن التهديد باستعمال القوة مناقض للقانون الدولي لأن السيادة الوطنية للدول على أرضها وسكانها ليست عرضة لتدخل الآخرين.

لذا فإن تهديد الولايات المتحدة وحلفائها باستعمال القوة ضد العراق في الفترة التي بدأت في منتصف 2002 وحتى الغزو كانت نقضا للقانون الدولي وتعريضا للسلم والأمن العالمي للخطر. وكان يجب بموجب الميثاق أن يقوم مجلس الأمن ببحث هذا التهديد واتخاذ القرار الذي يعتبره خرقا للميثاق وتجاوزا على القانون الدولي العام. إلا أنه ليس غائبا على أحد أن مجلس الآمن لا يمكن أن يبحث ويدين دولة تمتلك عضوية دائمة وحق النقض ، ناهيك عن أن تكون تلك هي القوة الوحيدة النافذة في العالم في ذلك الوقت. إن هذا الوضع القانوني لا علاقة له بالموقف السياسي الذي يتخذه القارئ حيث أن العلاقات بين الدول ليست موضوع عواطف أومواقف أخلاقية. أي أن التهديد للعراق عشية الغزو يجب أن يكون مخالفا للقانون الدولي بالنسبة لأي مراقب قانوني سواء كان ذلك المراقب مع نظام البعث أم ضده. ذلك لأن الباطل باطل حتى إذا كان ضد ظالم. وكل من يرضى بتجاوز القانون في مرحلة ما من التأريخ عليه أن يرضى باحتمال تجاوزه في وقت يريد أن يستند هو إليه فيكون ضحية ذلك التجاوز. وها نحن نرى اليوم قيادة الأكراد تتباكى من التهديد التركي مدعية أن تركيا تهدد أمن العراق ، لكن هذه القيادة تنسى أن كل ما تفعله تركيا ليس إلا يسيرا مما فعله الأمريكيون الذي جاء بهم الأكراد لغزو العراق. فإذا كان الأمريكيون قد غزو العراق بدعوى أنه كان يشكل خطرا على أمنهم وهي دعوة مضحكة ولا شك ، فإن الأتراك لديهم عذر أكبر في أن مقاتلي الأكراد الذي يهاجمونهم من داخل العراق يشكلون خطرا حقيقيا عليهم. وهكذا يجد السياسي الكردي نفسه اليوم في حيص بيص حيث أنه لا يمكن له أن يحاول تبرير غزو أمريكا للعراق ويمنع الحق نفسه عن غزو تركيا لشمال العراق خصوصا وان تركيا جزء أصيل من حلف شمال الأطلسي وان هؤلاء الساسة الأكراد طارئون على المسرح السياسي ويمكن الاستغناء عنهم.

ولم يكتف مجلس الأمن بالسكوت على التهديد ضد العراق من قبل أمريكا وحلفائها والذي كان بحد ذاته تعريضا الأمن والسلم العالمي للخطر ، أقول لم يكتف مجلس الأمن بالسكوت وإنما ذهب أبعد من ذلك فقعد ساكتا لا يتحرك حين بدأ الغزو وبدأ معه خراب العراق الذي نراه مستمرا هذا اليوم. وحين سقطت الحكومة العراقية وفر قادتها اجتمع مجلس الأمن واصدر القرار رقم 1483.

وأول ما يلحظه القارئ في القرار أنه لم يشر للاحتلال من الناحية القانونية وتعامل معه كحقيقة واقعة ، أي أن مجلس الأمن لم يعط رأيا في التجاوز على سيادة دولة مؤسسة للأمم المتحدة ووضعها تحت طائلة احتلال أجنبي خلافا لكل قواعد القانون الدولي وما اتفق عليه منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.

ولا نريد الخوض بتطويل في الخلفية السياسية لصدور القرار 1483 من مجلس الأمن لكن يكفي للقارئ أن ينتبه لحقيقة مهمة. تلك هي أن القرار المرقم 1483 والذي منح أمريكا وبريطانيا حق حكم العراق وفق قواعد القانون الدولي تم تبنيه في 22 مايس 2003. لكن بول بريمر الحاكم العام للعراق كان قد أصدر يوم 16 مايس 2003 تعليماته الأولى بادعائه السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في العراق واستند في ذلك إلى السلطة المخولة له في القرار 1483 والذي لم يكن قد صدر بعد إذ أن ذلك تم تبنيه بعد 4 أيام من استناد بريمر إليه. فكيف عرف بريمر أن القرار سيصدر بعد أربعة أيام إذا لم يكن القرار قد كتب في أمريكا وعد التصويت عليه أمرا منتهيا ، ناهيك عن عدم شرعية أي إجراء يفتقد الشرعية عند إعلانه.

ولا بد أن بعض من سيقرأ هذا سيرد على أن لمجلس الأمن الحق في التدخل في شئون الدول إذا وجد حاجة لذلك ، أو أن لمجلس الأمن الحق في تخويل إعلان الحرب على دولة ما ، وغير ذلك من اعتراضات الجهل والتجهيل السائدة في العراق ولبنان والتي يسوقها المتعلمون قبل الأميين.

وأول ما أرد به على هذا هو أن ميثاق الأمم المتحدة صرح بان هدفه الأول هو منع الحرب ولم ترد فقرة واحدة في الميثاق تشير إلى جواز إعلان الحرب. وقد أجاز الميثاق استعمال القوة في حالتين فقط ، هما الدفاع عن النفس وتدابير حفظ السلم ومنع العدوان.

 

حق الدفاع عن النفس

إن حق الدفاع عن النفس الذي يتمتع به الإنسان الفرد هو ما أقرته الدول مشروعا للدفاع عن أنفسها إذا تعرضت للعدوان. فقد نصت المادة 51 من الميثاق على ما يلي:

" ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء "الأمم المتحدة" وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي،...."

وهكذا يكون من حق أية دولة أن تستعمل القوة للدفاع عن نفسها إذا تعرضت لعدوان مسلح. على أن هذا الحق المقدس يتوقف عندما يتدخل مجلس الأمن. أي أن الميثاق رغبة منه في منع الحرب وتوسعها أعطى حق الدفاع عن النفس مشروطا لحين اتخاذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحماية الدولة المتعدى عليها. وقد فشل مجلس الأمن عند غزو العراق أن يتخذ التدابير اللازمة لوقف غزو العراق وحفظ السلم والأمن كما ألزمته المادة 51 أن يفعل.

 

تدابير الفصل السابع

أقر ميثاق الأمم المتحدة في الفصل السابع منه الإجراءات التي يحق لمجلس الأمن اتخاذها في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان. وأول عمل يجب أن يقره مجلس الأمن هو قيام هذه الحالة التي تهدد السلم أو وقوع العدوان حتى يمكن له أن يدرج الأمر تحت الفصل السابع (المادة 39).

فإذا أقر ذلك عليه أن يدعو الأطراف المتنازعة للأخذ بما يراه ضروريا أو مستحسنا من تدابير مؤقتة لتلافي النزاع المسلح (المادة 40). فإذا فشلت هذه يمكن لمجلس الأمن أن يتخذ تدابير أخرى منها وقف الصلات الإقتصادية والإتصالات جزئيا أو كليا وقطع العلاقات الدبلوماسية (المادة 41). يجب أن يلاحظ المتتبع للإجراءات أنه ليس في الميثاق ما يجيز حصارا كاملا كما فرض على العراق لمدة 12 عاما.

 

فإذا فشلت كل التدابير أعلاه فلمجلس الأمن أن يتخذ إجراءا عسكريا كما نصت عليه المادة 42 من الميثاق:

" إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تف به، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه. ويجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصر والعمليات الأخرى بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء "الأمم المتحدة".

على أن الميثاق يحدد شكل العمل العسكري بأن يكون تحت إشراف لجنة أركان الحرب الدائمة في مجلس الأمن.

 

يتبين لنا من خلال تطبيق العرض العاجل أعلاه على ما حصل في غزو العراق ما يلي:

1. إن مجلس الأمن لم يقر عشية الغزو أن العراق اعتدى على دولة أخرى أو أنه قد استجد له أمر يشكل تهديدا للسلم والأمن الدولي.

2. إن مجلس الأمن لم يقرر القيام بعمل عسكري ضد العراق بموجب المادة 42 من الميثاق.

3. إنه لا يوجد في الميثاق ما يجيز تخويل دولة للقيام بعمل عسكري ضد دولة أخرى حيث أن أي عمل عسكري يجب أن يتم بإشراف وتنفيذ مجلس الأمن.

4. إن الحديث عن صدور أو عدم صدور قرار من مجلس الأمن يجيز العمل العسكري في حد ذاته حديث ثانوي حيث أنه لا يحق لمجلس الأمن إصدار قرار كهذا دون أن يتجاوز على الميثاق الذي يعمل بموجبه.

5. إن الدول التي هددت بعمل عسكري ضد العراق خرقت المادة 39 من الميثاق وكان على مجلس الأمن أن يتدخل لمنعها.

6. إن غزو العراق خرق للميثاق وعدوان صارخ شكل وما زال يشكل تهديدا للسلم والأمن الدولي.

 

لما تقدم فإن قرار مجلس الأمن 1483 والصادر في 22 مايس 2003 كان قرارا خارج القانون الدولي لأنه وافق خلافا للميثاق على سلب سيادة دولة عضوة في الأمم المتحدة وعلى تسليمها لمحتل أعلن أن هدفه نزع السيادة وتغيير النظام السياسي لها واستبداله بنظام ينسجم مع مشروعه الكبير للهيمنة على المنطقة كلها. إن مجلس الأمن في قراره هذا خرق الميثاق ،  وحيث أننا أثبتنا من البداية القاعدة القانونية القائلة أن ما من سلطة في الأرض لها الحق أن تتجاوز القانون الذي شكلها وحيث أن مجلس الأمن تشكل بموجب ميثاق الأمم المتحدة فإن أي قرار يتخذه خلاف الميثاق قرار باطل لا سلطة له ولا قيمة له من الناحية القانونية.

 

لقد كتب المحامي السائل من العراق يسأل ، كما في أدناه:

"اولا : هل العراق لايزال خاضعا للاحتلال وهل هناك ثغرات تخل بسيادة العراق في القرار 1546

ثانيا:  هل من حق متعددي الجنسيات الاشراف على السجون العراقية

ثالثا : هل من حقهم التحرك دون امر القيادة العراقية

رابعا : هل يخضعون للقانون العراقي بموجب القرار 1546

خامسا: هل يحق للحكومة التمديد لهذه القوات المتعددة

سادسا: هل يحق للشعب العراقي بموجب القانون الدولي مقاومتها أي القوات متعددة الجنسيات  ومحاربتها

سابعا: هل يجوز منحهم حصانات خارج القانون العراقي مع انهم متعددو الجنسيات كما يدعون

ثامنا: هل يحق لمجلس الامن التمديد لهذه القوات وما هي السبل الكفيلة بمحاربتهم قانونيا".

ويبدو واضحا أن السائل يبحث عن سبيل قانوني للتصدي للقوات الأجنبية في العراق. وليت الأمر كان بهذه البساطة ، حيث أنه يتحدث كما لو أن هناك حكومة وقيادة عراقية مستقلة عن قوات الاحتلال ، وهو يعرف كما يعرف العراقيون اليوم أن هذا ليس واقع الحال فالحكومة العراقية وما يسميها القيادة العراقية لا وجود لها دون سلطة الاحتلال. لكني سأحاول مع ذلك الرد على ما يمكنني من التساؤلات هذه بعد أن أعرج على القرار الذي يستند له السائل في رسالته.

فقد أصدر مجلس الأمن قراره 1546 في 8 حزيران 2004 وما زال كل رجال الإحتلال والمبشرين بكرمه يشيرون له أكثر من إشارتهم للقرآن أو الحديث الشريف ، على افتراض أن بعضهم يعرف أيا من هذين. لكن قراءة متفحصة للقرار تنبيك أنه لا يقل في فساده وتناقضه مع القانون الدولي عن القرار 1483 الصادر قبله بأكثر من عام.

 فقد جاء في ديباجة القرار ما يلي:

"إذ يرحب ببدء مرحلة جديدة على طريق انتقال العراق إلى حكومة منتخبة انتخابا ديموقراطيا ، وإذ يتطلع لهذه الغاية إلى إنهاء الاحتلال وتولي حكومة عراقية مؤقتة مستقلة..."

لكن مجلس الأمن لم يقل لا في هذا القرار ولا في القرارات التي سبقته سبب قبوله باحتلال العراق وما عمله من أجل منع وقوع هذا الاحتلال باستنكاره أو إدانته إن لم يكن بمعاقبة المحتل. إن القرار يبدو في جملته مشيدا بجهود المحتل في ترتيب الوضع في العراق وهو إن دل على شيء فإنما يدل على العقلية الاستعمارية التي كانت سائدة في مطلع القرن العشرين والتي اعتقد سكان الأرض أنها زالت بانتهاء الحرب العالمية الثانية لكنهم يكتشفون اليوم أنها حية ونشطة وكل ما حل بها أنها انتقلت من يد بريطانيا وفرنسا إلى يد أمريكا.

على أن المضحك الحقيقي في الديباجة أنها تتحدث عن "حكومة عراقية مؤقتة مستقلة". فهل سبق في تأريخ أهل الأرض أن محتلا عين حكومة مستقلة؟  

ثم تلحق الديباجة ذلك بالقول: "وإذ يقر بتلقي الطلب الوارد في الرسالة المؤرخة 5 حزيران 2004 الموجهة إلى رئيس المجلس من رئيس وزراء الحكومة المؤقتة للعراق ، والمرفقة بهذا القرار بالإبقاء على وجود القوة المتعددة الجنسيات".

وحين يبدأ القرار في إقرار تشكيل حكومة مؤقتة فإنه يجعل من شروط هذه الحكومة "الامتناع عن اتخاذ أي إجراءات تؤثر على مصير العراق فيما يتجاوز الفترة المؤقتة المحدودة". لكنه ما أن ينتهي من ذلك حتى ينقضه في الفقرات 9 إلى 16 والتي تتحدث عن وجود ما يسمى القوة المتعددة الجنسيات.

وخلاصة ما في هذه الفقرات هو أن رئيس الوزراء الذي عينه الاحتلال طلب من مجلس الأمن أن يبقي القوة المتعددة الجنسيات حتى يتمكن العراق من مسك الأمن. أي أن أمريكا احتلت العراق وجاءت بأحد عملائها رئيسا للوزراء وهذا طلب بدوره منها البقاء إلى ما تشاء. ورغم أن المجلس أقر أن الحكومة المؤقتة هذه لا تمتلك سلطة اتخاذ إجراءات بعيدة الأثر إلا أنه يبدو لم يعتبر قرار رئيس وزرائها السماح للقوة المحتلة أن تبقى كما تشاء قرارا يتجاوز فترته المؤقتة.

نعود للأسئلة فنقول:

أولا: إن العراق ما زال محتلا بمفهوم القانون الدولي ، مهما استعمل مجلس الأمن من مصطلحات ومهما حاول المحتل خداع الناس به. ذلك لأن الاحتلال يعرف في القانون على أنه تواجد قوات أجنبية تفرض سيطرتها على كل البلد أو جزء منه. ولا ينتهي الاحتلال إلا بخروج تلك القوات أو طردها. وحيث أن القوات الأجنبية تفرض سيطرتها الحقيقية على عموم العراق فانه يبقى محتلا حتى يتغير هذا الحال. أما حول ما إذا كان في قرار مجلس الأمن ثغرات تمس سيادة العراق ، فإن القرار نزع سيادة العراق ووضعه تحت وصاية المحتل.

ثانيا: لا يحق للقوات الأجنبية الإشراف على سجون العراق إذا كان العراق يمتلك سيادة قضائية وسياسية وعسكرية على أرضه وشعبه. أما إذا كانت حكومة العراق أسيرة القوات الأجنبية تلك فماذا تتوقع منها أن تفعل. إن ادعاء الحكومة العراقية الحالية أنها محتاجة للأجنبي لأنها غير قادرة على الإدارة هو أكبر من فشلها في ذلك. إن الحومة التي لا تستطيع أن تحكم لا يحق لها أن تحكم. فلم يسبق في تأريخ العراق  الحديث أن أعلنت حومة أنها لا تستطيع حكم البلاد حتى جاءت حكومات الاحتلال بعد عام 2004.

 

ثالثا: سألت فيما إذا كان يحق للقوات الأجنبية أن تتحرك دون موافقة القيادة العراقية ، وأول ما يقفز للذهن هو من هي القيادة العراقية التي أشرت لموافقتها؟ فإذا كنت تعني الحكومة الحالية ، فللسؤال جوابان. أولهما أنه يحق للقوات المحتلة أن تتحرك كما تشاء وتفعل ما تشاء بأية حجة ليس اقلها الحاجة لحماية نفسها وهذا ما اتفقت عليه حكومة العراق مع المحتل وصادق عليه مجلس الأمن. وثانيها أن هذه الحكومة تعتمد على قوات الاحتلال لحمايتها فحتى لو أرادت صدقا أن تنفرد بالقرار فليس ذلك بمقدورها لأن حماتها سيسحبون البساط من تحتها بالتهديد بسحب الحماية. إذا كنت لا تعرف كيف يعامل المحتل هذه الحكومات المسخ فما عليك إلا أن تقرأ ما كتبه بول بريمر عن الطريقة التي كان يعامل بها مجلس الحكم لتفهم.

 

رابعا: لا تخضع قوات الاحتلال لأي قانون عراقي. فقد وافق العراق بدستوره الجديد ومجلس نوابه الديموقراطي على قبول كل قرارات بريمر ومنها قراره منح حصانة كاملة لسلطة الاحتلال والقوات الأجنبية من القانون العراقي. على أن الأمر اكبر والعن من ذلك بكثير حيث أن قرار بريمر لم يعط حصانة للقوات الأجنبية النظامية فقط لكنه أعطى حصانة لما يسمى بشركات الأمن والحماية العاملة في العراق. فإذا علمنا أنه يوجد اليوم في العراق أكثر من ماية ألف أجنبي يعملون في شركات الحماية فإنهم يشكلون حسب اعتراف الكونغرس الأمريكي أكبر جيش غير نظامي في العالم , وهم جميعا خارج القانون العراقي ، بل خارج أي قانون في العالم. وهذه المرة الأولى في تأريخ البشرية التي تقوم فيها حالة كهذه. فطوبى للديموقراطية الجديدة في العراق وطوبي لأعضاء مجلس النواب راتب الخمسة آلاف دولار شهريا وطوبى لعمائم الخزي التي تطبل لحكم اليهود والنصارى في العراق.

 

خامسا: نعم يحق للحكومة العراقية طلب تمديد بقاء قوات الاحتلال في العراق وذلك وفق اتفاق علاوي- باول ووفق قرار مجلس الأمن. وهكذا ترى ان زيباري يطلب كل ستة أشهر من مجلس الأمن ذلك فيوافق المجلس على طلب العراق. وقد يظهر من بين أعضاء مجلس النواب أبطال لا يهمهم راتبهم الدسم فيعترضون على قرار التمديد دون موافقتهم ، لكن الحكومة تمضي وتطلب التمديد ، فماذا سيفعل أولئك الأعضاء الأبطال؟ إن كل ما يحتاجه الاحتلال لإضفاء شرعية ورقية على وجوده ، حيث أن وجوده واقعي على الأرض ، هو موافقة طلباني- مالكي- زيباري. وليس عسيرا تصور طلب هؤلاء من الاحتلال أن يبقى حيث أن وجودهم على أرض العراق مرتبط ببقائه وزائل بزواله.

سادسا: نعم يحق للشعب العراقي مقاومة الاحتلال وفق القانون الدولي العام ، ويجب على الشعب العراقي مقاومة الاحتلال وفق شريعة السماء.

 

سابعا: لا يجوز منح أحد يقيم على أرض العراق حصانة من القانون العراقي ، إلا باستثناء دستوري ، ذلك لأنه يعارض قاعدة أساس في قانون العقوبات  رقم 111 لعام 1969 وهي قاعدة لا يكاد يخلو منها قانون في العالم تتعلق بسيادة الدولة على أرضها وسكانها. فقد نصت المادة 6 من القانون المذكور على  ما يلي:

"تسري أحكام هذا القانون على جميع الجرائم التي ترتكب في العراق وتعتبر الجريمة مرتكبة في العراق إذا وقع فيه فعل من الأفعال المكونة لها أو إذا تحققت فيه نتيجتها أو كان يراد أن تتحقق فيها".

 

وقد يقول قائل إن دستور العراق الجديد منح هذه الحصانة حين تبنى تشريعات بريمر. والجواب على هذا هو أن الهدف من الحصانة التي يمنحها الدستور هي لحماية رئيس الدولة أو قيادتها وليس لحصانة جيوش نظامية أو غير نظامية من الغرباء ، إذ عندها لا يبقى معنى للقانون.

 

ثامنا: لا يحق لمجلس الأمن تمديد بقاء القوات الأجنبية ضد رغبة حكومة العراق ، إلا إذا وجد مجلس الأمن أن الوضع في العراق يشكل تهديدا للأمن والسلم العالمي مما يسمح له بالتدخل وفق المادة 42 من ميثاق الأمم المتحدة. لكننا لن نصل لهذا الوضع كما يبدو وذلك لما سبق وبينت لك. أما عن مقاومة الاحتلال فهو حق مصان في قوانين السماء والأرض. ولا تغرنك العمائم التي تجتهد بتفضيل حكم الكافر العادل على حكم المسلم الجائر ، فليس هذا من دين أهل البيت عليهم السلام. فلم يدعو زين العابدين الروم لاحتلال أرض الإسلام رغم أن يزيد قتل أباه ، بل كان (عليه السلام) يدعو لحماية ثغور المسلمين.

أما من الناحية القانونية فيمكن ذلك من خلال سحب الثقة بالحكومة الحالية وطلب الحكومة القادمة من مجلس الأمن وضع جدول زمني لسحب القوات الأجنبية ومن معها من المرتزقة. لكني لا أعتبر هذا بديلا عمليا حيث أن أحدا لن يسحب الثقة من الحكومة لأن كلا مرتبط ببعضه.

 

تبقى هناك ملاحظة لا بد من إيرادها حتى يكتمل الحديث. تلك تتعلق بالحديث عن كون الحكومة تمثل مجلس نواب منتخب بشكل حر وووو.

 

والأمر جميل على الورق ، لكنه ليس حقيقيا لأسباب عدة أوجزها كما يلي:

1.    ليست هناك بيعة دائمة للحاكم في عنق المحكوم.

2.    لم يصوت العراقيون على منح الحكومة سلطة إبقاء الاحتلال على أرض العراق.

3.     لا يمكن لحكومة تعجز في حماية المواطن أن تطالبه بالولاء ، ذلك لأن الحكم تعاقد بين المواطن الذي يقدم ولاءه والحكومة التي تحميه وتؤمن أبسط احتياجاته.

4.    لا يمكن تسمية ما جرى في العراق عملية حرة ، ذلك لأنه لم يجر في تأريخ البشرية أن سمح احتلال بظهور حكومة تقاومه وتطلب رحيله. فلو علم الاحتلال أن انتخابات العراق كانت ستقود لذلك لما سمح بها.

5.    إن الجمهور لا يصنع السياسة وإنما تصنعها النخبة وحيث أن النخبة السياسية بعد سقوط نظام البعث كانت كلها مع الاحتلال فلم يكن أمام الجمهور خيار آخر.

6.    إن سلطة الشعب (الديموقراطية) ليست في كل وقت مقاسة بالعدد الذي يمكن أن يقاد. فلو أبقينا نصف مليون جندي ألماني في لندن مدة عامين لأعطيتك حكومة نازية منتخبة في بريطاينا. ولو كانت بيعة الأغلبية هي القياس في كل وقت لما كان للشيعة حق في ظلامة الحسين لأن أهل العراق وأهل الشام تخلوا عنه لصالح يزيد.

 

قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي.

 

والسلام

عبد الحق العاني

لندن في 4 جمادى الآخرة 1428

الواقع في 20 حزيران 2007