http://www.kitabat.com/i48064.htm

9  كانون اول  2008

عن شلش العراقي وخلف ابن أمين مرة أخرى

 

كتابات - جمعة الحلفي

 

قبل الحديث عن شلش العراقي استميح القارئ عذرا عن هذه المقدمة.

بعد فرارنا من العراق زرافات ووحدانا نهاية العام 1979 توزعنا على بلدان الجوار وغير الجوار. وفي الشآم احتفى بنا المثقفون السوريون أيما احتفاء فقد كان للثقافة والمثقف العراقي مكانة مرموقة وسمعة طيبة في الأوساط الثقافية العربية.

كنت لا أزال بعد في أول الدرب ولدي مجموعة شعرية واحدة صادرة في بغداد عام 1976 ضاقت بها رقابة النظام حينها فجمعتها من المكتبات، ولا أعرف أين صار مأواها.

أرسلت وقتها قصيدة مكتوبة باللغة الفصحى عنوانها عبود الى صحيفة تشرين الدمشقية وهي ربما كانت من أول القصائد غير الشعبية، التي كتبتها في ذلك الوقت. نشرها مسؤول الصفحة الثقافية الصديق أحمد يوسف داوود، في اليوم التالي، بطريقة ملفته من حيث الاهتمام الزائد بها وباسمي، تحت مانشيت عريض عرض ثماني أعمدة، يقول (من الشعر التقدمي في العراق) بعد يومين التقيت الصديق أحمد فعاتبته على هذه الطريقة في النشر فاستشكل عليه الأمر وقال لي (وهل بعد كل هذا الاهتمام تعتب؟) قلت له نعم والسبب هو (كل هذا الاهتمام) فلم يفهم مغزى كلامي فاضطررت أن اشرح له بالقول أنني لا أزال شابا وليس لدي سوى مجموعة شعرية واحدة وتنشر لي قصيدة بهذه البهرجة فماذا ستفعل لو بعث لك سعدي يوسف قصيدة للنشر؟

طبطب أحمد داوود على كتفي وقال لي هذا درس لي.

هذه الحكاية ليست دليلا على التواضع بالضرورة إنما هي حكمة سديدة تعلمتها من كتاب حقيقيين يعتبرون المديح الزائد عن اللزوم أشبه بالذم.

لكن للأسف في أوساطنا العديد من الكتاب ممن يستمرءون ليس المديح الزائد إنما حتى الكذب على ذقونهم.

أنا أعرف كتابا يدبجون مقالات حول قصائدهم أو قصصهم وينشرونها بأسماء مستعارة. وآخرون يجرون حوارات مع أنفسهم ويبعثون بها الى الصحف. وبعض ثالث يشبه خلف بن أمين (في الحكاية الشعبية الشهيرة) الذي يعرض نفسه للمهالك من أجل أن يقال عنه شجاعا. فهؤلاء لا يتورعون عن تعريض أنفسهم للمخاطر كي يقال عنهم مبدعون أو مناضلون أو عباقرة زمانهم. وعلى سبيل المثال هناك من يضع أسمه في قوائم مطلوبين للقتل من قبل ميليشيات أو من جانب الحكومة الحالية وينشرها في المواقع الالكترونية وهو لا بالعير ولا بالنفير. وهناك من أدعى في مقالات منشورة أن البعض يتهمه بأنه شلش العراقي وهو لا علاقة له. وهو يريد ضمنا أن يفهم القارئ عكس ما يقول أي أن يصدق أنه شلش. وشلش تهمة ليست بسيطة وقد تؤدي الى التهلكة.

نعود الى موضوعنا الأصلي مع الاعتذار عن هذه الإطالة لكنها على صلة. قرأت عددا من المقالات باسم شلش العراقي في مواقع أخرى غير موقع كتابات وكان هذا أول مؤشر على أن في الموضوع (إن) فشلش أرتبط أسمه بكتابات ولا يمكن أن يجازيها بمثل هذه الهفوة. وما ضاعف شكي هو أنني أعرف، بحكم التجربة والدربة المهنية، كيف يكتب شلش (لغتة وأسلوبا وجملة وتوجها سياسيا) وما قرأته باسمه كان فيه الكثير من الثغرات أولها طول الجملة وتركيبتها المترهلة في حين أن جملة شلش قصيرة ومكثفة ومكتفية. وثانيها اللهجة الشاتمة والمقذعة وشلش ينقد ويسخر بمرارة ممن يكتب عنهم ولكنه لا يستخدم الشتائم بمجانية أو ضغينة. وثالثها التوجه السياسي فما جلب انتباهي أول الأمر هو أن مواقع البعثيين، مثل موقع المهيب، أول من أعاد نشر مقالات شلش المزعومة مع أنه معروف بعدائه الجذري لهذا السلف المشين. ثم أن بعض المقالات كانت تكاد تمتدح صدام حسين بحجة مساوئ النظام الحالي، وهذه لم يفعلها شلش في السابق لأنه أذكي من أن يقع في هذا الشرك السائد لدى البعض.

ولأنه ليس هناك جريمة كاملة، كما يقال في العلوم الجنائية، فقد بدا واضحا أن من أراد السطو على اسم شلش العراقي ترك خلفه الكثير من الخيوط والأخطاء من أبرزها إيراد اسمه في هذه المقالات باعتباره صديقا لشلش وشلش معجب بإبداعه. وهذه، هي الأخرى، لم يفعلها شلش من قبل إذ كان يتجنب إيراد أسماء كتاب آخرين في مقالاته ربما خشية من توريطهم معه. وفوق هذا كله أنني شخصيا كنت أتراسل مع شلش (الحقيقي) بين وقت وآخر وبعد انقطاعه سألت عنه الصديق أياد الزاملي وأصدقاء كثر ولم يدلني أحد على سبب انقطاعه. ثم كتبت مقالة عنوانها (رسالة متأخرة الى شلش العراقي) نشرتها في كتابات وتمنيت منه فيها أن يبعث ولو بإشارة تؤكد لنا أنه لا يزال على قيد الحياة، لأنني كنت، ولا أزال بالطبع، أخشى أن يكون قد جرت تصفيته، وقد انتظرت طويلا ولم يرد شلش على مقالتي بأي شكل.

خلاصة الأمر كنت أتمنى على خلف بن أمين أن يكتفي بشهرته الواسعة ويترك صديقنا شلش العراقي لمصيره فسرقة أسماء الناس أكثر إثما من سرقة جيوبهم.

Gumoh83@gmail.com