http://www.kitabat.com/i77044.htm

 18تشرين ثاني  2010   

ضاع العيد...!

 

كتابات - د. مراد الصوادقي

 

صار من الصعب أن نقول " أيامكم سعيدة" بكل ما تعنيه الكلمة وتدفع إليه من المشاعر والتطلعات , وما يرافقها من الفرح والبهجة ورقيق الأمنيات. من الصعب حقا على العراقي أن ينطق كلمات التهاني بمناسبة العيد , وفي أعماقه سؤال صريح " هل عندنا عيد؟".

قد يرسل الأخوة والأحبة والأصدقاء بطاقات تهاني , لكنها مع كل عام تنكمش ويقل عددها , ومعاني كلماتها تتغير وتكتسب مفردات ذات معاني كامنة لا تعبر عن السعادة , وإن أرادتها فأنها تحسب القول مخادعة للذات والواقع المرير الذي يعيشه العراقيون جميعا وبلا إستثناء.

فالعراقي ما عاد قادرا على أن يقول " أيامكم سعيدة" بملئ قلبه وببهجة وسرور , لأن الأيام سرقت منه الفرح الحقيقي  , ونهبت بهجته وسروره ووشحته بأسباب الأتراح وقضت على دواعي الأفراح. فحتى العراقي الذي ينهب ويسلب ويغتنم الثروات لا يمكنه أن يشعر بسعادة سرقاته وما يملكه من الأموال , والعراقيون من حوله في أشد حالات المقاساة والآلام.

فالعيد العراقي الحقيقي قد ضاع وغاب في دياجير الويلات والتداعيات وتفاعلات الخسران والبهتان. العيد الذي كنا نتغرغر بضحكاته ونفرح بأيامه ونستبشر ونبتهج ونعبر عن أعذب مشاعرنا وأحاسيسنا , ونستحضر أجمل كلماتنا وقدراتنا الطيبة لكي نمنح بعضنا  السرور والسعادة والأمل , ذلك العيد صار نسيا منسيا. والعيد الذي يتكرر عندنا يمضي معظم أبناء البلاد أيامه الأولى في مجالسة المقابر وذرف دموع الأحزان وإرتداء السواد, على الذين سرقتهم أباليس الغياب وقتلتهم عفاريت الكراسي والضلال والإمتهان.  ولا يمكن إستيعاب أن يكون عندنا عيد وأخواننا العراقيون من الديانات الأخرى في رعب وخوف وقلق بعد فاجعة سيدة النجاة في الكرادة قبل أقل من بضعة أسابيع. فالعيد العراقي ليس عيد فئة دون أخرى , إنه عيد العراقيين أجمعين , وإذا تم إغفال فئة أو حرمانها من العيد فأن العيد العراقي يكون باطلا ولا يتفق مع القيم والأخلاق العراقية السامية التي تربت عليها الأجيال عبر العصور والأزمان.

قد لا يرى ذلك البعض , لكن واقع المجتمع العراقي يؤكد بأن العراقي لا يمكنه أن يفرح والآخرين من  أبناء بلده حوله في وحشة الأحزان ومواجع الحسرات والفقدان.

نعم العيد العراقي الحقيقي قد ضاع , وساهم في ضياعه العديد من أعداء المحبة والأخوة والألفة والرحمة والتفاعل الإنساني الطيب والمتسامح الودود الذي يرفع رايات الأحسن والأفضل والأصلح لأبناء العراق , هؤلاء الأعداء تعددت تسمياتهم وآثامهم وهم يدّعون الدين وما هم بأفعالهم بمعبرين عن أبسط معاني الدين , وإنما ما يقومون به يؤكد بأنهم من ألد أعداء الدين وأشرس الفاتكين به والملوثين لسمعته وقيمه ومعايره الرحيمة النبيلة السامية.

فقد انتشر التعبير عن الجهل بالدين وما ظهر فعل الدين الحقيقي في المجتمع , وإنما تحول الدين إلى مطية لتحقيق الغايات والتطلعات الدونية للذين يرون أن دينهم هواهم لا غير , لكنهم يريدون أن يخدعوا الناس والسماء وما يخدعون إلا أنفسهم وهم في ضلالهم وأفكهم يعمهون.

هؤلاء سرقوا العيد منا , وذبحوه على صخرة أميتهم وجهلهم بالله ورسوله وكتابه وباتباعهم لكل مدّعٍ أثيم.

ضاع العيد ولن يتحقق الفرح في القلوب العراقية , وأخوتنا يئنون من الحزن ولازالت جراحهم تنزف وأروحهم تذرف وأحبتهم قد سكنوا التراب بلا ذنب , إلا إنها جرائم أباليس الشرور على تراب البلد الطهور , بلد الحضارات والتفاعلات الإنسانية الرحيمة الصادقة الخالية من القصور.

ضاع العيد ولعنة الله على الذين سرقوا أعيادنا وقتلوا أفراحنا وفتكوا ببهجتنا ومسرّاتنا وأجهزوا على أمانينا وتطلعاتنا وأحرقوا أحلامنا وصلبوا أيامنا .

فقد كان عندنا عيد سعيد , لكن حوت المآسي والويلات ابتلعه ولازال لا يمنحنا فرصة أن يكون عندنا عيد. وكان عندنا عيد, لكن تماسيح الكراسي افترسته وذئاب الأحزاب المتحزبة والفئات المتطرفة مزقته وأغرقته بالدماء ولازالت تكشر عن أنيابها للفتك بأي بهجة وفرح وسعادة عراقية صادقة.

تلك حقيقة قاسية جارحة مؤلمة لا بد لنا أن نقف أمامها بقوة وشجاعة وصبر وإيمان وأمل بتأكيد عراقيتنا وإعلاء شأنها والتحرر من عوامل تشويهها وتفتيتها , وأن نرفع لواءها ونجعلها راية خفاقة فوق جميع الرايات , فذلك هو عيدنا الحقيقي السعيد. فبالعراق نكون ونبقى ونحيا وبغيره لا تحصد إلا أسوأ مما حصدنا.