http://www.kitabat.com/i79233.htm

 18 كانون ثاني 2011

شلونكم ؟

 

كتابات - هاشم العقابي

 

كلما تنتابني حالة ارتياح نفسي، تقودني قدماي، تحت وطأة الشعور أو اللا شعور، نحو مقهى لبناني في الحي الذي اسكن فيه غرب لندن. رؤية اللبنانيين واللبنانيات البهيجة تزيدني ابتهاجا حد الفرح. ويتصاعد الفرح الى سعادة مع نارجيلة يعطر دخانها صوت فيروز وقهقهات الصبايا مع تشكيلة امزاز لبنانية وشيء آخر يحي القلب، لا افصح عنه لأزيد قلب كامل الزيدي حرقة.

 

البارحة كانت ليلة من تلك الليالي البهيجة في المقهى اللبناني. كنا ثلة مختلطة من عراقيين ومصريين وأردنيين وسوريين وطبعا معنا اصحاب الدار اللبنانيين. اقترب صاحب المقهى من الطاولة واستأذننا ليقدم لنا بيتر وصديقته كلير. ما اجملهما بوجهيهما الايرلنديين الطافحين بالحرية والحب.

 

جلس الحبيان وشاركاونا المقسوم على الطاولة، لا بل زادوا الطاولة الوانا أخرى مما لذ وطاب من الاكل والشراب. وبعد فاصل من النكات والاغاني أخرج الايرلنديان دفتريهما ودخلنا بشيء أقرب الى الجد. يالها من مفاجأة غريبة ان يعلنا انهما عازمان على السفر الى بغداد في شهر نيسان القادم، ويريدان تعلم بعض الجمل من، كتابة وصوتا، كي تعينهما على التواصل مع العراقيين.

 

وكما تتوقعون كان السؤال عن التحية التي يبدو انهم عرفوها قبل ان يسألونا وهي: السلام عليكم. ولكونهما قد زارا كثيرا من الدول العربية من قبل فقد عرفا ان السؤال المهم وهو: "هو آر يو" سيكون على الأغلب: "ازيك؟" أو"كيفك؟" أو "كيف هالك؟" أو""آمل ايه؟". بالمناسبة ان الاجانب، خاصة الناطقين بالانجليزية، يمكن لهم بتدريب بسيط ان يلفظوا الضاد، اما العين فمن المستحيل ان يلفظوها. وان حاول احدهم ان يرغم نفسه على لفظها فستراه وكأنه يتقيأ. لا ادري لماذا اذن اسمينا العرب ناطقين بالضاد ولم نسمهم ناطقين بالعين؟

 

سالتني كلير الجميلة، الله يسترها من رئيس مجلس محافظة بغداد وملا محمود المشهداني، هل استعمل الكلمات ذاتها لسؤال الناس عن احوالهم في بغداد؟ اجبتها نعم ممكن لكنها لن تدخل الى قلوب العراقيين. استفهمت: فما هو الصحيح اذن؟ قلت لها: نحن نستخدم "شلونك؟".

 

اعترض الأردني علي: شو بتعمل يا زلمة مهم لما يترجموها راح يشوفوا  معناها "وات از يور كولر؟". وايش علاقة الاحوال بالالوان يا اخي؟

 

اجبته بهدوء كسر حماسه قليلا: اننا في "شلونك؟" لا نعني ان كان لونك أحمر او اخضر او لموني. يا اخي العربي ان السؤال هو عن  طبيعة لون الوجه ان كان شاحبا او متوردا. ويبدو لي ان طريقة سؤال الناس عن احوالهم لها علاقة بروح الشعب وثقافته. انظر الى اخوتنا في مصر يستخدمون "ازيك؟" لان  المصري مشكلته الازلية من ايام الفراعنه البحث عن لقمة العيش، لذا يسأل عن الزي أواللبس الذي يعكس الوضع المتدي للشخص. أما اللبنانيون فهم معروفون بطقوسهم العائلية   للاستمتاع بالحياة في احضان المزة والشرب والغناء، لذا تجدهم يسألونك عن ا"لكيف" اي المزاج فيقولون لك "كيفك؟" التي هي اعمق من "ازيك؟" ذات العلاقة بالمظهر. أما نحن العراقيين، وبلا تحيز، فـ "شلونك؟" هي الاكثر عمقا لانها تستفهم عن الحالة المعنوية بسبب أن العراقي دائما يعاني صراعات اما على مستوى ديني او سياسي او اجتماعي او قيمي احيانا.

 

اجابني المعترض مستغربا: وما علاقة "شلونك؟"  بالصرعات السياسية والدينية؟ بصراحة انتم العراقيين دائما تكبرون الامور.

 

اجبته بهدوء اكثر، رغم اني ارهقت من حديثي بالانجليزية حتى يفهمنا العاشقان: العلاقة يا صديقي مرتبطة بالمعنويات كما قلت. فصاحب اللون الشاحب يعني انه مضطرب أو مخذول او مهموم . والمتورد يعني ان معنوياته مرتفعة فوق النخل فوق. بتعبير آخر ان المعنويات لا يسأل عنها الا من يكون داخلا، او قادما على الدخول، في صراع او سباق كسؤالنا للاعب كرة القدم قبل المبارة عن معنوياته. ونحن بالعراق، فما شاء الله، ما أن نخرج من صراع حتى ندخل في آخر.

 

ثم استأذنته ان اقرأ له ما قاله صديقي الشاعر الكبير كاظم الركابي:

 

شلونكم؟ شلون لون المستحه البوجوهكم؟

مثل الأول؟ لو خبط مايه وتغير لونكم

جنت اشوف الشمس تطلع مرتين

مره من حضن السمه .. ومره تطلع من أشوف وجوهكم

شلونكم؟ شلون حال الوفه ابين عيونكم؟

تربي لو عافت سججنه؟

آنا بعيوني اشك .. ولا اشك بعيونكم

آنا بكَليبي اشك ولا اشك بكلوبكم

 

سادت لحظة صمت فرضتها علينا صيحة "الله" من عراقية تجلس مع بناتها على طاولة قريبة منا وقد ملأت الدموع عينيها.

 

طلب مني الايرلندي وحبيبته ان اترجم ما قلته شعرا كي يعرفا سر دموع جارتنا العراقية، فقلت لهما: عندما تزوران بغداد وتعودان بالسلامة فستفهمان القصيدة من دون ان اترجمها.

 

El_akabi@hotmail.com