الكرادة بين احتلالين ، آل المجيد وآل الحكيم

 (ملفات ناخب) بقلم / ياسر العبادي

مقدمة .

منطقة الكرادة كانت (ولازالت) مركزا للعاصمة بغداد وقلبها النابض، وكانت تعتبر من ابرز مراكز الشيعة في بغداد، وكانت تعج بالنشاطات الشيعية، الدينية والثقافية والسياسية،
وفيها يقع المقر الرئيسي للمرجعية الدينية آن ذاك، كانت تؤثر وتصنع وتغير في المشهد العراقي على جميع الصعد.

كانت الكرادة تضج بالتنوع الفكري والثقافي، وكان معظم سكانها من الطبقة الغنية، ويقطنها اغلب تجار بغداد، وكان أبنائها من الطبقة الواعية والمثقفة، وكان يسكنها بالإضافة الى العرب عدد غير قليل من الكرد الشيعة .

الكرادة واحتلال آل المجيد التكريتي .

وبعد اغتصاب حزب البعث للسلطة، تغيرت المعادلة، فقام باعدام وسجن الكثير من الكرد وتهجير من بقي منهم، وبعدها شن حملة على الشيعة، فقتل وسجن وهجر، ولم ينج من بطشه سوى من اسعفه الوقت للهرب .
وتمت مصادرة جميع الاموال المنقولة وغير المنقولة لهم، والاستيلاء على بيوتهم وممتلكاتهم وأراضيهم، وبضائع ومخازن ومحلات التجار منهم، بل وحتى المكتبات العامة تمت مصادرتها وحرقها.

وتم منح هذه الممتلكات والأراضي والدور الى أزلام البعث الغاشم وعصاباته التي قدمت من العوجة وتكريت وسامراء والدور وعانة وحديثة وغيرها من مناطق واقضيه وأرياف وقصبات لم يكن اهلها قد اعتادوا على لبس النعال بعد، وسكنوا تلك القصور المؤثثة واستولوا على المعارض والمحلات والمخازن بما فيها، وكذلك السيارات التي لم يكونوا ليحلموا حتى برؤيتها .

الكرادة واحتلال آل الحكيم .

وبعد سقوط الصنم وزوال الطغمة البعثية التي استلبت البلاد واسترقت العباد لمدة خمسة وثلاثين سنة، هرب منهم من هرب وقتل من قتل وبقيت بيوتهم (التي شيد قسما منها بدماء الأبرياء) خالية بما فيها من محتويات .

واخذ التاريخ يعيد نفسه، فتسارع افراد المجلس الاعلى بالاستيلاء على القصور الواقعة على ضفاف نهر دجلة (قصر طارق عزيز وقصر حلى وقصر برزان او غيرهم )، وعلى كل البيوت الفخمة المحيطة، وبعض هذه الدور كانت مقرات للمخابرات والأمن (ومنها بيوت عائدة لعائلة البحراني التي تم تهجيرها ومصادرة أبنائها).

الجادرية اليوم .

تمت إحاطة كل المنطقة الواقعة يمين الشارع الممتد من ساحة الحرية (مرطبات الفقمة في الكرادة) الى تقاطع جسر الطابقين (ساحة الحسنين) طولا، ومن اليمين محطة وقود الحرية الى نهر دجلة عرضا، (واقرب نقطة دالة هي طريق المسبح وطريق العرصات وجسر الطابقين)، تم إحاطة هذه المنطقة بصورة كاملة بقطع كونكريتية وجعلها منطقة عسكرية مغلقة خاصة للمجلس الاعلى .

وتم قطع كل الشوارع والطرق الفرعية بصورة تامة، ويتم الدخول اليها من خلال منفذ واحد عن طريق الاستعلامات ونقطة التفتيش لمن هو من أعضاء المجلس الأعلى حصرا .

وهذه البيوت هي عائدة أما لأزلام نظام صدام وأقربائه، او تعود لأناس فروا بسبب العنف الطائفي او تدهور الوضع الأمني، وقام أزلام وقيادات المجلس الأعلى بالاستيلاء عليها بمحتوياتها وصارت مقرات لهم وثكنات لميليشياتهم .

وبعض العوائل اضطرت ان تبيع بيوتها اليهم بسبب الضغوط المتواصة وبعد ان تحولت المنطقة الى ثكنة حكيمية يصعب الدخول اليها والخروج منها(واشتروها بالبخس الإثمان من اموال دفعتها (عصابات الزوية) .

سكن السيد عبد العزيز في اكبر هذه القصور الواقعة على ضفاف دجلة، فيما سكن ولده (ووريثه في رئاسة المجلس الاعلى) عمار الحكيم في قصر مجاور، وهناك قصر لعادل عبد المهدي، ويقع فيما اطلق عليه (المنطقة الرئاسية) بيت بيان جبر، واخر لوزير البلديات ولعدد كبير من وكلاء الوزراء وضباط وزارتي الداخلية والدفاع، وتقريبا كل أعضاء البرلمان أمثال هادي العامري .

كما يقع في هذه المنطقة مقر قناة الفرات ومقر جريدة العدالة وتقريبا كل وسائل إعلام المجلس الاعلى وكل قياداته مع عوائلهم، كذلك مقر الشركات التجارية التابعة للمجلس .

تم بناء محطة لتعبئة الوقود خاصة بعجلات افراد المجلس الاعلى داخل هذه المنطقة وتم بناء مدرسة لابنائهم وكذلك مستشفى متكامل مزود بعدد غير قليل من سيارات الاسعاف، كما تم تخصيص منزل كمصرف او مخزن للنقود واخر كمشجب للاسلحة والاعتدة، ومخابز ومطاعم (للعمال وللمنتسبين طبعا، فالقيادات يتم جلب الطعام لهم من المطاعم الفاخرة القريبة. (

وتم بناء مضيف من القصب، وخصصت عدد من المنازل للضيوف والوافدين من خارج العراق، وعدد من الدور الفخمة يسكن فيها أفراد الاطلاعات الإيرانية وموظفي السفارة الايرانية وبعض الدبلوماسيين (تجدر الاشارة الى ان الرئيس الايراني الاسبق وعند زيارته الاخيرة الى العراق كان قد استقر مع عائلته وكل الوفد الذي معه في هذه المنطقة . (

يقوم بحماية هذه المنطقة عدد غير قليل من أفواج الطوارئ من عناصر بدر وأنصار بدر ومن المنسبين الى (الجيش والشرطة) وهم لا يخضعون لأوامر الدفاع اوالداخلية بتاتا، لكن رواتبهم تصل من هاتين الوزارتين وكذلك العجلات والأسلحة والاعتدة والهويات التي يحمل بعضها صفة (حماية المنطقة الرئاسية) .

باردة صيفا - دافئة شتاءً - ومطابع وعمارات وفنادق .

تم ربط هذه المنطقة بخط كهربائي (كيبل) حرج، ما يعني تيار متواصل دون انقطاع صيفا وشتاءً، وذلك بالتنسيق مع وزارة الكهرباء التي منحتهم (مجانا) بالاضافة الى ذلك مولدات كهربائية ضخمة جدا وحصة شهرية من الكاز (الذي يسلم مجانا ويبيعوه بالاسواق السوداء لعدم حاجتهم اليه مع وجود الخط الحرج.(

كان المجلس الأعلى في الانتخابات الاولى يستلم مطبوعاته ودعاياته الانتخابية بواسطة (لوريات) سيارات حمل كبيرة هدية من ايران التي كانت كريمة جدا معهم، لكن بعد توفر الاموال اللازمة قام المجلس الاعلى بشراء مطبعة كبيرة من النوع الخاص ونصبت في محيط هذه المنطقة ويعود ريع عمل هذه المطابع الى ميزانية المجلس الأعلى، وخلال ظرف الانتخابات يحتكر عملها للمجلس وإعلاناته حصرا، وقد خصص لها مكان كبير جدا ويعمل فيها الكثير من العاملين .

قامت قيادات المجلس بشراء عدد من العمارات والفنادق المحيطة بهذه المنطقة (يقع احد هذه العمارات خلف مرطبات الفقمة) وتم تاجير بعضها كمشاريع تجارية لتمويل المجلس ال الحكيم، وبعضها يسكن فيها افراد المجلس انفسهم وبعض افراد المخابرات الايرانية .

مقرات عصابات الزوية .

ابرز الاحداث التي حصلت في هذه المنطقة (حصن ووكر الميليشيات الايرانية) هو جريمة مصرف الزوية، وقامت بها عصابات متخصصة بسرقة المصارف وشركات الصيرفة كما تحترف هذه المجاميع التسليب والخطف والابتزاز والكثير من الاعمال (منها قيامهم بالضغط على الموظفين الحكوميين لكي يقبلوا عطائات ويوافقوا على ارساء العقود الى شركات خاصة تابعة للمجلس. تجدر الاشارة الى ان المجلس يمتلك شركات مقاولات وشركات سياحة وشركات اخرى كثيرة ومتعددة)، قامت هذه العصابة وكعادتها بالخروج فجرا للسطو على المصارف التي تصلهم اخبار من وزارة المالية بوجود اموال كبيرة فيها، فقتلت حراس مصرف بعد ان دخلوا بزيهم العسكري وسيارات الدفاع وهويات (حماية نائب رئيس الجمهورية)، وسرقت هذه العصابات من حمايات عادل عبد المهدي ما كان موجود من اموال داخل المصرف بالكامل وخبأته بمقر جريدة العدالة الواقع بجوار قصر عادل عبد المهدي والذي قام مسؤول حمايته (كردي يظهر خلفه دائما اينما حل ونزل) بتوزيع قسما من هذا المال المسروق على الفاعلين فيما تم الاحتفاظ بالباقي ومقداره وكل الاحداث معروفه للجميع .

المنطقة الصفراء .

على غرار المنطقة الخضراء قام الايرانيون بانشاء منطقة خاصة بهم وبميليشياتهم وعصاباتهم وعملائهم، ولم تتمكن أي قوة من الدخول الى هذه المنطقة وحتى الجيش الامريكي، فكان السفير الامريكي زلماي (الذي كان يتردد يوميا على السيد عبد العزيز) يدخل منفردا الى هذه الثكنة الايرانية وتبقى حماياته والارتال التي تاتي بصحبته متوقفة خارج المنطقة (على الشارع العام) ولا يسمح بدخول جندي واحد معه، (وحدثت الكثير من الصدامات بخصوص هذا الموضوع لسنا بصددها) وحتى من كان قبله ومن جاء بعهده يتم التعامل معهم على نفس المنوال . وخلال عمليات فرض القانون قامت هذه العصابات بدفن الكثير من الاسلحة، ولم تتمكن الحكومة من دخولها حتى الان (حاصرتها القوات العراقية بامر من رئيس الوزراء لغرض اللقاء القبض على عصابات الزوية لكن الامر خضع لتسويات سياسية بعد تسليم جزء من الاموال المسروقة والقبض على عدد من المتورطين ولم تدخلها).

اهالي الكرادة والانتخابات .

اليوم منطقة الكرادة باجمعها اسيرة بيد ميليشيات المجلس الاعلى وعصاباته، والمخابرات الايرانية تسيطر بصورة كاملة على منطقة الجادرية وكافة مناطق الكرادة وهذا معروف لدى اهل الكرادة وغير خافي على احد، والكارثة الكبرى ان هذه الميليشيات مرشحة بقوة في انتخابات برلمان 2010 وانا على يقين ان أهالي الكرادة لن ينخدعوا بإتلاف الميليشيات ولا بشعاراته وباعلاناته على كثرتها، لكني امل من شباب الجادرية والكرادة والمناطق المجاورة ان يبذلوا ما بوسعهم - من تثقيف الناس على حقيقتهم وكشف مؤامراتهم - من اجل إزالة هذا الكابوس (كابوس ذل واضطهاد ميليشيات ايران وعملائها وعصاباتها) الجاثم عن صدر العراق الحبيب  وتحرير الكرادة منهم .

ياسر العبادي  بغداد  الكرادة