مؤتمر بيروت نموذج للسلوك العراقي

صباح المختار 1/8/2005

اختتم في بيروت يوم الخميس 28 تموز (يوليو)  2005 مؤتمر عقده عدد من العراقيين من الذين حضروا قبل ذلك ندوة عقدها مركز دراسات الوحدة العربية.  الانطباع الذي لدي هو ان هناك خلط وتشويه في غالبه مبني على خطأ (كي لا اقول مبني على سوء نية) بدأ قبل انعقاد الندوة العلمية الاكاديمية وبالتالي حتى قبل اجتماع العراقيين .  في تقديري ان من المفيد محاولة تبديد الخلط لمن اراد ان يفهم او يتفهّم ، كما ان من المصلحة محاولة إزالة ما اعتقده تشويها للحقائق .  بادئاً اقول اني قد حضرت الندوة، كما حضرت الاجتماع الذي عقد بعدها، بصفتي الشخصية ولا ادعي شرف المساهمة في الاعداد له، كما اني لا انتمي الى أي تنظيم سياسي ولا ادعي تمثيل احد، كما اني تحملت نفقات سفري واقامتي في بيروت.  معذرة لهذه الاشارة ولكنها محاولة لتلافي محاولة التشكيك فيما سأقول (لامن باب تبرئة نفسي حيث لا يهمني ان افعل ذلك) ولكن كي لا يستمر الخلط والتشويه الذي اهدف تبديده وازالته.

 

اولاً ما جرى في بيروت كانا عَمَلين مستقلين تماما عن بعضهما البعض، فالاول ندوة علمية هي الثانية من نوعها حيث عقد مركز دراسات الوحدة العام المنصرم (8- 11 اذار /مارس 2004) الندوة الاولى تحت عنوان "ندوة احتلال العراق وتداعياته عربيا واقليميا ودوليا" قُدمت خلالها بحوث تتعلق بالاحتلال .  الاسبوع الماضي (25 -28 تموز/ يوليو 2005) عقدت الندوة الثانية تحت عنوان "مستقبل العراق" قدمت خلالها عدد من البحوث حول بعض الامور المهمة مثل اعادة الاعمار والنفط والتعويضات واعادة تشكيل الجيش العراقي والقضية الكردية والاعلام .  الفرق الرئيس بين الندوة الاولى والثانية هو ان الاولى تناولت الشأن العراقي تحت الاحتلال في حين ان الثانية تناولت الشأن العراقي بعد الاحتلال أي ان الثانية تناولت التفكير المستقبلي بعد الاحتلال وطرحت بعض القضايا التي هي بحاجة للتفكير فيها من الان بالرغم من ان العراق لازال محتلا .  قد يرى البعض ان هذا ترف فكري لم يحن اوانه بعد وقد يجد البعض صعوبة  في التفكير بالمستقبل في الظروف الراهنة والنزف على اشده وقد يرى غيرهم غير ذلك، ولكني من الذين يعتقدون ان من لا يستطيع مثلي ان يساهم بالمقاومة المسلحة (واشعر بالذنب والخجل لهذا) عليه ان يساهم في غير ذلك ومنه المساهمة في التفكير ورسم خطط للمستقبل لاني لاشك لدي مطلقا في النصر ودحر الاحتلال ومحاسبة العملاء والخونة وان طال الزمن.

 

اوراق الندوة ومناقشاتها سيقوم مركز دراسات الوحدة العربية بطبعها ونشرها بكتاب كما هو معتاد.  واعتقد انه من غير المعقول ان يعترض البعض على هذا الامر، اما ان يتم التشهير بالندوة واهدافها او المشاركين فيها جميعا او البعض منهم ففي تقديري اساءة غير مبررة ولا تخدم قضية الوطن ولا التحرير. الاكثر من ذلك قد يكون من المفيد ان نقلل من محاسبة الناس على نياتهم ( خصوصا واننا لا نعلمها) بدلا من محاسبتهم على اعمالهم وهو ما يقوم العديد منا بفعله.

 

بعد انتهاء الندوة عرض مركز دراسات الوحدة العربية على المشاركين في الندوة، إن هم ارادوا بكثير من التأكيد، على ان المركز يسرّه ان يضع امكاناته (السكرتارية والقاعة) وان يقدم خدماته لمن يشاء ان يشترك في حوار لدراسة ضرورة وامكانية تأسيس جبهة عراقية للتحرير والبناء ودراسة المستلزمات والخطوات العملية بما في ذلك وضع اهداف وانظمة لتلك الجبهة وليس كما أُشيع او فُهم "إنشاء جبهة".  حرص المركز على عدم التدخل او حتى المشاركة في الجلسات لدرجة ان الدكتور خير الدين حسيب مدير عام المركز لم يحضر أي من الجلسات (واظنه كان يتحرّق شوقا للمشاركة ولكنه آثر ان يؤكد على استقلالية الاجتماع عن المركز) .

 

هذا هو الجانب التنظيمي، ولكن المهم الاشارة لبعض ما جرى باختصار مع المحافظة على طبيعة الاجتماع .  اعتقد ان العديد ممن حضروا الاجتماع كان يريدون التداول في موضوع ايجاد صيغة للعمل السياسي في العراق المحتل ليس كبديل للمقاومة المسلحة، لاني اعتقد جازما ان جميع من حضر يؤمن بان المقاومة المسلحة هي الخيار الوحيد وهي التي تمثل الخط الوطني.  واعتقد ان من البذاءة  ان نزاود بالوطنية على بعضنا البعض (على الاقل في هكذا امور).  اعتقد ان العديد ممن حضر الاجتماع لديه رؤية حدها الادنى ان المقاومة لا تقتصر على فئة دون اخرى.  ان المقاومة تشمل تيارات مهمة حديثة النشوء لديها قواعد قد تتصورها اكبر من حجمها الحقيقي كما ان المقاومة تشمل تيارات لها منطلقات واهداف ودوافع تختلف عن غيرها.  ان حزب البعث العربي الاشتراكي كحزب سياسي وحزب حكم العراق لسنوات طوال لديه من الدوافع والقدرات ما يتجاوز ويزيد على دوافع وقدرات الكثير من تيارات المقاومة.  ان التيار الصدري (بين الحركات الشيعية) الاكثر انضواء تحت شعار المقاومة المسلحة ويتميز عن غيره بتواجده في العاصمة بغداد وغيرها من المدن العراقية.  ان هناك حركات وتيارات لا تزال لاسباب مختلفة لم تتخذ قرارا استراتيجيا ونهائيا ان تنضم علنا وبوضوح الى المقاومة المسلحة .

 

هناك حاليا في العراق شعور مُعاد للرئيس السابق صدام حسين ينصرف لدى البعض الى حزب البعث ككل وقد ينصرف لدى الآخرين الى "السنة".  وهنا اتكلم فقط عن الذين حضروا الاجتماع من العناصر المعادية للاحتلال والمؤيدة للمقاومة المسلحة .  واذا لم يكن هذا صحيحا فان البعض دون شك يعتقد ان ذلك صحيحا.

 

قبل سنة واثناء انعقاد الندوة الاولى التي اشرت اليها كان الجميع ينكرون فكريا وجود البعثيين رغم انهم حكموا العراق لربع قرن من الزمن والكثير منا يعتقد انهم مسؤولون عما حل بالعراق فلم ألق من يجرؤ على ذكر عبارة "البعث او البعثيين" رغم وجود قانون "إجتثاث البعث" الذي اتوقع من الناس الاسوياء ان يستنكرونه اسما ووثيقة على اقل تقدير.  وبالمناسبة اعتقد ان من يحتاج ان نشرح له هذا الامر في الحقيقة لا يحتاج الى ذلك اصلا لانه اما ان يكون منكرا للمنطق السليم او لان الحقد (وهو سلوك انساني مفهوم) لا يعمي الابصار فقط وانما القلوب التي هي في الصدور.

في اجتماع العراقيين بعد الندوة في بيروت هذا العام تحدث البعثيون بصراحة وبوضوح وابدوا وجهه نظرهم واجابهم وجادلهم الاخرون بمنتهى الصراحة واحيانا كثيرة بقسوة بالغة.  تحدث "الصدريون" بمنتهى الصراحة واصبح الموقف علنا بعد ان كان تخمينا.  شكا "السنة" من الشكوى وتحدث المستقلون من جاء من العراق او خارجه عن آمالهم واعلنوا الدعم غير المحدود.   اليس هذا هو الحوار بين اولئك الذين يريدون الخير لوطنهم ويتناسون الاحقاد ؟  وهذا ليس من باب تقليل حجم الالم والضرر الذي اصابهم او يعتقدون انه قد اصابهم.

 

من الواضح ان هناك قواسم مشتركة اولها ان مقاومة الاحتلال لها الاسبقية الاولى والثانية والثالثة والعاشرة.  تصفية الحسابات واستعادة من له حق قبل الاخر لا يسقطها الزمن ولكن العفو لمن له حق اضافة لكونه اقرب للتقوى فيه رجولة وكرم وان طالب بحقه حتى اخر ذرة فليس في ذلك عيب .  الجميع اتفق على ضرورة قيام الجبهة وعلى الحاجة اليها اما الأطراف والمتطلبات والخطوات فأمر يحتاج الى وقت لم يكن متوفرا .

 

من المؤسف ان عددا من الاخوة العراقيين قد تناولوا الندوة والاجتماع حتى قبل بدئهما بحملة من التشكيك ( كي لا استعمل وصفا آخرا ) مستندين الى نيات لا يعلمونها ومتخذين قرارات لاعتقادهم بان مشاركا او اخر سيحضر الندوة او قد ساهم في الاعداد لهما.  البعض وصف الندوة و/او الاجتماع بانه جزء من مخطط اياد علاوي وانه يصب في خانة التفاوض مع الامريكان ومحاولة لطعن المقاومة وهناك من وصفه بمحاولة حرمان البعثيين من احتكارهم للمقاومة المسلحة وهناك من اتهم الندوة او الاجتماع لاعادة تأهيل البعثيين .  بطبيعة الحال لكل منا ان نضمر ما نشاء ولكل منا ان يعتقد بالاخر ما يشاء ولكن البيت وهو يحترق يجب ان ينهانا عن الحديث عن غرض من يساعد على انقاذ النفس والمال والوطن .  كيف تساعد الاشارة الى "من يمول" الندوة والاجتماع في تحرير الوطن ؟

 

"مكتب العلاقات الخارجية" في القيادة القطرية لحزب البعث العراقي يصدر بيانا منشورا على الانترنت يتهم الندوة ومنظميها بالكثير ويدعوا للمقاطعة ويحضر المؤتمر اعضاء من حزب البعث يظهرون اكبر قدر من الشعور بالمسؤولية !!  هل هناك ديمقراطية جديدة في الحزب ام هناك تسيّب وعدم انضباط حزبي ؟

 

البعض حضر اقل من جلسة كتبت جهة ما بعدها عن انسحاب التيارات الرئيسية وتنصل الجهة المنظمة، وبعد ساعات نشر "تنبيه" الى "خطأ" الانسحاب ، مع ذلك اكد ممثل "التيار الوطني الديمقراطي" ان الانسحاب كان "اثناء إلقاء ممثل حزب البعث الصدامي " كلمته ، وهو ايضا لم يحصل .  احدى الصحف نشرت خلاصة عن الاجتماع واضافت في النهاية قائمة أسماء من شاركوا في الاجتماع مضيفة انهم شاركوا في التوقيع على البيان الختامي وفي ذلك خلط قد يكون غير مقصود اذ ان البيان يتضمن مبادئ عامة وخلاصة للآراء قد يوافق البعض عليها مائة بالمائة (ولا اظن ان هناك وثيقة مهما كان مصدرها تحظى بهذا المقام) وهناك من يوافق على اقل من ذلك .

 

في رأي المتواضع ان الاخوة العراقيين قد بدأوا مرحلة العمل السياسي الذي تحتاجه المقاومة المسلحة التي اجبرت سلطة الاحتلال على طلب التفاوض مع المقاومة، وكلما استمروا بالحوار كلما وجدوا ان الخلاف بينهم اقل مما يتصورون وشعروا بقوة الوحدة والتضامن والاكثر من ذلك أفشلوا مخططات المحتل في نشر التفرقة.

 

أعتقد ان الاجتماع الذي حضرته في بيروت كان ناجحا في محاولة تنظيف الجرح كما كان ناجحا في جمع من كانوا يجدون صعوبة في اللقاء وكان ناجحا في التأكّد من شعور الجميع بضرورة قيام جبهة التحرير والبناء وكان ناجحا في الاستماع الى إستعداد الجهات المختلفة في العمل مع بعضها البعض . كان الاجتماع مناسبة لكي يدرك المنتمين الى التيارات والاحزاب والحركات والتنظيمات ان اللاعبين الكبار في الاجتماع لديهم من بعد النظر والوطنية ما يُبشر بالخير.  بالنسبة لي فان الاجتماع عزز ايماني بان الاوطان يمثلها ابنائها الذين لا يجتمعون على خطأ وان اختلفوا في الكثير من الامور و إن شعروا بالألم من البعض من ابناء وطنهم، فالوطن أهم.